Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 169-170)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن قوله : { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ } ظاهره أن الأول ممدوح . والثاني مذموم ، وإذا كان كذلك ، فيجب أن يكون المراد : فخلف من بعد الصالحين منهم الذين تقدم ذكرهم خلف . قال الزجاج : الخلف ما أخلف عليك مما أخذ منك ، فلهذا السبب يقال للقرن الذي يجيء في إثر قرن خلف ، ويقال فيه أيضاً خلف ، وقال أحمد بن يحيى : الناس كلهم يقولون خلف صدق وخلف سوء ، وخلف للسوء لا غير . وحاصل الكلام : أن من أهل العربية من قال الخلف والخلف قد يذكر في الصالح وفي الرديء ، ومنهم من يقول الخلف مخصوص بالذم قال لبيد : @ وبقيت في خلف كجلد الأجرب @@ ومنهم من يقول : الخلف المستعمل في الذم مأخوذ من الخلف ، وهو الفساد ، يقال للردىء من القول خلف ، ومنه المثل المشهور سكت ألفاً ونطق خلفاً ، وخلف الشيء يخلف خلوفاً وخلفاً إذا فسد وكذلك الفم إذا تغيرت رائحته . وقوله : { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ } قال أبو عبيدة جميع متاع الدنيا عرض بفتح الراء ، يقال الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر ، وأما العرض بسكون الراء فما خالف العين ، أعني الدراهم والدنانير وجمعه عروض ، فكان كل عرض عرضاً وليس كل عرض عرضاً ، والمراد بقوله : { عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ } أي حطام هذا الشيء الأدنى يريد الدنيا وما يتمتع به منها ، وفي قوله : { هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ } تخسيس وتحقير ، و { ٱلأَدْنَىٰ } إما من الدنو بمعنى القرب لأنه عاجل قريب ، وإما من دنو الحال وسقوطها وقلتها . والمراد ما كانوا يأخذونه من الرشا في الأحكام على تحريف الكلام . ثم حكى تعالى عنهم أنهم يستحقرون ذلك الذنب ويقولون سيغفر لنا . ثم قال : { وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ } والمراد الإخبار عن إصرارهم على الذنوب . وقال الحسن هذا إخبار عن حرصهم على الدنيا وأنهم لا يستمتعون منها . ثم بين تعالى قبح فعلهم فقال : { أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مّيثَاقُ ٱلْكِتَـٰبِ } أي التوراة { أَن لاَّ يَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } قيل المراد منعهم عن تحريف الكتاب وتغيير الشرائع لأجل أخذ الرشوة ، وقيل : المراد أنهم قالوا سيغفر لنا هذا الذنب مع الإصرار ، وذلك قول باطل . فإن قيل : فهذا القول يدل على أن حكم التوراة هو أن صاحب الكبيرة لا يغفر له . قلنا : أنهم كانوا يقطعون بأن هذه الكبيرة مغفورة ، ونحن لا نقطع بالغفران بل نرجو الغفران ، ونقول : إن بتقدير أن يعذب الله عليها فذلك العذاب منقطع غير دائم . ثم قال تعالى : { وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ } أي فهم ذاكرون لما أخذ عليهم لأنهم قد قرؤه ودرسوه . ثم قال : { وَٱلدَّارُ ٱلأَخِرَةُ خَيْرٌ لّلَّذِينَ يَتَّقُونَ } من تلك الرشوة الخبيثة المحقرة { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } . أما قوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَـٰبِ } يقال مسكت بالشيء وتمسكت به واستمسكت به وامتسكت به ، وقرأ أبو بكر عن عاصم { يُمَسِّكُونَ } مخففة والباقون بالتشديد . أما حجة عاصم فقوله تعالى : { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ } [ البقرة : 229 ] وقوله : { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ } [ الأحزاب : 37 ] وقوله : { فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } [ المائدة : 4 ] قال الواحدي : والتشديد أقوى ، لأن التشديد للكثرة وههنا أريد به الكثرة ، ولأنه يقال : أمسكته ، وقلما يقال أمسكت به . إذا عرفت هذا فنقول : في قوله : { وَٱلَّذِينَ يُمَسّكُونَ بِٱلْكِتَـٰبِ } قولان : القول الأول : أن يكون مرفوعاً بالابتداء وخبره { إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ } والمعنى : إنا لا نضيع أجرهم وهو كقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } [ الكهف : 30 ] وهذا الوجه حسن لأنه لما ذكر وعيد من ترك التمسك بالكتاب أردفه بوعد من تمسك به . والقول الثاني : أن يكون مجروراً عطفاً على قوله : { ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ } ويكون قوله : { إِنَّا لاَ نُضِيعُ } زيادة مذكورة لتأكيد ما قبله . فإن قيل : التمسك بالكتاب يشتمل على كل عبادة ، ومنها إقامة الصلاة فكيف أفردت بالذكر ؟ قلنا : إظهاراً لعلو مرتبة الصلاة ، وأنها أعظم العبادات بعد الإيمان .