Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 178-178)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

في الآية مسألتان : المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى لما وصف الضالين بالوصف المذكور وعرف حالهم بالمثل المذكور بين في هذه الآية أن الهداية من الله ، وأن الضلال من الله تعالى ، وعند هذه اضطربت المعتزلة ، وذكروا في التأويل وجوهاً كثيرة : الأول : وهو الذي ذكره الجبائي وارتضاه القاضي أن المراد من يهده الله إلى الجنة والثواب في الآخرة ، فهو المهتدي في الدنيا ، السالك طريقة الرشد فيما كلف ، فبين الله تعالى أنه لا يهدي إلى الثواب في الآخرة إلا من هذا وصفه ، ومن يضلله عن طريق الجنة { فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ } والثاني : قال بعضهم إن في الآية حذفاً ، والتقدير : من يهده الله فقبل وتمسك بهداه فهو المهتدي ، ومن يضلل بأن لم يقبل فهو الخاسر . الثالث : أن يكون المراد من يهده الله بمعنى أن من وصفه الله بكونه مهتدياً فهو المهتدي ، لأن ذلك كالمدح ومدح الله لا يحصل إلا في حق من كان موصوفاً بذلك الوصف الممدوح ، ومن يضلل أي ومن وصفه الله بكونه ضالاً { فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ } والرابع : أن يكون المراد من يهده الله بالألطاف وزيادة الهدى فهو المهتدي ومن يضلل عن ذلك لما تقدم منه من سوء اختياره ، فأخرج لهذا السبب بتلك الألطاف من أن يؤثر فيه فهو من الخاسرين . واعلم أنا بينا أن الدلائل العقلية القاطعة ، قد دلت على أن الهداية والإضلال لا يكونان إلا من الله من وجوه : الأول : أن الفعل يتوقف على حصول الداعي وحصول الداعي ليس إلا من الله فالفعل ليس إلا من الله . الثاني : أن خلاف معلوم الله ممتنع الوقوع ، فمن علم الله منه الإيمان لم يقدر على الكفر وبالضد . الثالث : أن كل أحد يقصد حصول الإيمان والمعرفة ، فإذا حصل الكفر عقيبه علمنا أنه ليس منه بل من غيره ، ثم نقول : أما التأويل الأول : فضعيف لأنه حمل قوله : { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ } على الهداية في الآخرة إلى الجنة وقوله : { فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِى } على الاهتداء إلى الحق في الدنيا ، وذلك يوجب ركاكة في النظم ، بل يجب أن تكون الهداية والاهتداء راجعين إلى شيء واحد ، حتى يكون الكلام حسن النظم . وأما الثاني : فإنه التزام لإضمار زائد ، وهو خلاف اللفظ ، ولو جاز فتح باب أمثال هذه الإضمارات لانقلب النفي إثباتاً والإثبات نفياً ، ويخرج كلام الله عز وجل من أن يكون حجة ، فإن لكل أحد أن يضمر في الآية ما يشاء ، وحينئذ يخرج الكل عن الإفادة . وأما الثالث : فضعيف لأن قول القائل فلان هدى فلاناً لا يفيد في اللغة ألبتة أنه وصفه بكونه مهتدياً ، وقياس هذا على قوله فلان ضلل فلاناً وكفره ، قياس في اللغة وأنه في نهاية الفساد والرابع : أيضاً باطل لأن كل ما في مقدور الله تعالى من الألطاف ، فقد فعله عند المعتزلة في حق جميع الكفار ، فحمل الآية على هذا التأويل بعيد ، والله أعلم . المسألة الثانية : قوله : { فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِى } يجوز إثبات الياء فيه على الأصل ، ويجوز حذفها طلباً للتخفيف كما قيل في بيت الكتاب : @ فطرت بمنصلي في يعملات دوامي الأيد يخبطن السريحا @@ ومن أبياته أيضاً : @ كخوف ريش حمامة نجدية مسحت بماء البين عطف الأثمد @@ قال أبو الفتح الموصلي يريد كخواف محذوف الياء . وأما قوله : { وَمَن يُضْلِلِ } يريد ومن يضلله الله ويخذله { فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ } أي خسروا الدنيا والآخرة .