Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 187-187)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن في نظم الآية وجهين : الأول : أنه تعالى لما تكلم في التوحيد والنبوة والقضاء والقدر أتبعه بالكلام في المعاد ، لما بينا أن المطالب الكلية في القرآن ليست إلا هذه الأربعة . الثاني : أنه تعالى لما قال في الآية المتقدمة { وَأَنْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ } [ الأعراف : 185 ] باعثاً بذلك عن المثابرة إلى التوبة والإصلاح قال بعده : { يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ } ليتحقق في القلوب أن وقت الساعة مكتوم عن الخلق ، فيصير ذلك حاملاً للمكلفين على المسارعة إلى التوبة وأداء الواجبات ، وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : اختلفوا في أن ذلك السائل من هو ؟ قال ابن عباس : إن قوماً من اليهود قالوا يا محمد أخبرنا متى تقوم الساعة فنزلت هذه الآية ، وقال الحسن وقتادة : إن قريشاً قالوا : يا محمد بيننا وبينك قرابة ، فاذكر لنا متى الساعة ؟ المسألة الثانية : قال صاحب « الكشاف » : الساعة من الأسماء الغالبة كالنجم للثريا وسميت القيامة بالساعة لوقوعها بغتة ، أو لأن حساب الخلق يقضي فيها في ساعة واحدة فسمي بالساعة لهذا السبب أو لأنها على طولها كساعة واحدة عند الخلق . المسألة الثالثة : أيان معناه الاستفهام عن الوقت الذي يجيء ، وهو سؤال عن الزمان وحاصل الكلام أن أيان بمعنى متى ، وفي اشتقاقه قولان : المشهور أنه مأخوذ من الأين وأنكره ابن جني وقال : { أَيَّانَ } سؤال عن الزمان ، وأين سؤال عن المكان ، فكيف يكون أحدهما مأخوذاً من الآخر . والثاني : وهو الذي اختاره ابن جني أن اشتقاقه من أي فعلان منه ، لأن معناه أي وقت ولفظة أي ، فعل من أويت إليه ، لأن البعض آو إلى مكان الكل متسانداً إليه هكذا . قال ابن جني : وقرأ السلمي إيان بكسر الهمز . المسألة الرابعة : مرساها « المرسي » ههنا مصدر بمعنى الإرساء لقوله تعالى : { بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا } [ هود : 41 ] أي إجراؤها وإرساؤها ، والإرساء الإثبات يقال رسى يرسوا إذا ثبت . قال تعالى : { وَٱلْجِبَالَ أَرْسَـٰهَا } [ النازعات : 32 ] فكان الرسو ليس اسماً لمطلق الثبات ، بل هو اسم لثبات الشيء إذا كان ثقيلاً ومنه إرساء الجبل ، وإرساء السفينة ، ولما كان أثقل الأشياء على الخلق هو الساعة ، بدليل قوله : { ثَقُلَتْ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } لا جرم سمى الله تعالى وقوعها وثبوتها بالإرساء . ثم قال تعالى : { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي } أي لا يعلم الوقت الذي فيه يحصل قيام القيامة إلا الله سبحانه ونظيره قوله سبحانه : { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } [ لقمان : 34 ] وقوله : { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءاتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا } [ الحج : 7 ] وقوله : { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا } [ طه : 15 ] ولما سأل جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : متى الساعة فقال عليه السلام : " " ليس المسؤول عنها بأعلم من السائل " قال المحققون : والسبب في إخفاء الساعة عن العباد ؟ أنهم إذا لم يعلموا متى تكون ، كانوا على حذر منها ، فيكون ذلك أدعى إلى الطاعة ، وأزجر عن المعصية ، ثم إنه تعالى أكد هذا المعنى فقال : { لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا } التجلية إظهار الشيء والتجلي ظهوره ، والمعنى : لا يظهرها في وقتها المعين { إِلاَّ هُوَ } أي لا يقدر على إظهار وقتها المعين بالإعلام والإخبار إلا هو . ثم قال تعالى : { ثَقُلَتْ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } والمراد وصف الساعة بالثقل ونظيره قوله تعالى : { وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً } [ الإنسان : 27 ] وأيضاً وصف الله تعالى زلزلة الساعة بالعظم فقال : { إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَىْء عَظِيمٌ } [ الحج : 1 ] ووصف عذابها بالشدة فقال : { وَمَا هُم بِسُكَـٰرَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ } [ الحج : 2 ] . إذا عرفت هذا فنقول : للمفسرين في تفسير قوله : { ثَقُلَتْ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ } وجوه : قال الحسن : ثقل مجيئها على السموات والأرض ، لأجل أن عند مجيئها شققت السموات وتكورت الشمس والقمر وانتثرت النجوم وثقلت على الأرض لأجل أن في ذلك اليوم تبدل الأرض غير الأرض ، وتبطل الجبال والبحار ، وقال أبو بكر الأصم : إن هذا اليوم ثقيل جداً على أهل السماء والأرض ، لأن فيه فناءهم وهلاكهم وذلك ثقيل على القلوب . وقال قوم : إن هذا اليوم عظيم الثقل على القلوب بسبب أن الخلق يعلمون أنهم يصيرون بعدها إلى البعث والحساب والسؤال والخوف من الله في مثل هذا اليوم شديد . وقال السدي : { ثَقُلَتْ } أي خفيت في السموات والأرض ولم يعلم أحد من الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين متى يكون حدوثها ووقوعها . وقال قوم : { ثَقُلَتْ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أي ثقل تحصيل العلم بوقتها المعين على أهل السموات والأرض ، وكما يقال في المحمول الذي يتعذر حمله أنه قد ثقل على حامله ، فكذلك يقال في العلم الذي استأثر الله تعالى به أنه يثقل عليهم . ثم قال : { لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً } وهذا أيضاً تأكيد لما تقدم وتقرير لكونها بحيث لا تجيء إلا بغتة فجأة على حين غفلة من الخلق . وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " " إن الساعة تفجأ الناس ، فالرجل يصلح موضعه ، والرجل يسقي ماشيته ، والرجل يقوم بسلعته في سوقه . والرجل يخفض ميزانه ويرفعه " " وروى الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " " والذي نفس محمد بيده لتقومن الساعة وإن الرجل ليرفع اللقمة إلى فيه حتى تحول الساعة بينه وبين ذلك " " ثم قال تعالى : { يَسْـئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌ عَنْهَا } وفيه مسألتان : المسألة الأولى : في الحفي وجوه : الأول : الحفي البار اللطيف قال ابن الأعرابي : يقال حفى بي حفاوة وتحفى بي تحفياً ، والحفي الكلام واللقاء الحسن ، ومنه قوله تعالى : { إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيّاً } أي باراً لطيفاً يجيب دعائي إذا دعوته ، فعلى هذا التقدير يسألونك كأنك بار بهم لطيف العشرة معهم وعلى هذا قول الحسن وقتادة والسدي ، ويؤيد هذا القول ما روي في تفسيره إن قريشاً قالت لمحمد عليه السلام : إن بيننا وبينك قرابة ، فاذكر لنا متى الساعة . فقال تعالى : { يَسْـئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌ عَنْهَا } أي كأنك صديق لهم بار بمعنى أنك لا تكون حفياً بهم ما داموا على كفرهم . والقول الثاني : { حَفِىٌّ عَنْهَا } أي كثير السؤال عنها شديد الطلب لمعرفتها ، وعلى هذا القول { حَفِىٌّ } فعيل من الإحفاء وهو الإلحاح والإلحاف في السؤال ، ومن أكثر السؤال والبحث عن الشيء علمه ، قال أبو عبيدة هو من قولهم تحفى في المسألة ، أي استقصى . فقوله : { كَأَنَّكَ حَفِىٌّ عَنْهَا } أي كأنك أكثرت السؤال عنها وبالغت في طلب علمها . قال صاحب « الكشاف » : هذا الترتيب يفيد المبالغة ومنه إحفاء الشارب ، وإحفاء البقل استئصاله ، وأحفى في المسألة إذا ألحف ، وحفى بفلان وتحفى به بالغ في البر به ، وعلى هذا التقدير : فالقولان الأولان متقاربان . المسألة الثانية : في قوله : { عَنْهَا } وجهان : الأول : أن يكون فيه تقديم وتأخير والتقدير : يسألونك عنها كأنك حفي بها ثم حذف قوله : « بها » لطول الكلام ولأنه معلوم لا يحصل الالتباس بسبب حذفه . والثاني : أن يكون التقدير : يسألونك كأنك حفي بهم لأن لفظ الحفي يجوز أن يعدى تارة بالباء وأخرى بكلمة عن ويؤكد هذا الوجه بقراءة ابن مسعود { كَأَنَّكَ حَفِىٌّ بِهَا } . المسألة الثالثة : قوله : { يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَـٰهَا } سؤال عن وقت قيام الساعة وقوله ثانياً : { يَسْـئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌ عَنْهَا } سؤال عن كنه ثقل الساعة وشدتها ومهابتها ، فلم يلزم التكرار : أجاب عن الأول بقوله : { إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبّي } . وأجاب عن الثاني بقوله : { إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ } والفرق بين الصورتين أن السؤال الأول كان واقعاً عن وقت قيام الساعة . والسؤال الثاني كان واقعاً عن مقدار شدتها ومهابتها ، وأعظم أسماء الله مهابة وعظمة هو قوله عند السؤال عن مقدار شدة القيامة الاسم الدال على غاية المهابة ، وهو قولنا الله ثم إنه تعالى ختم هذه الآية بقوله : { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } وفيه وجوه : أحدها : ولكن أكثر الناس لا يعلمون السبب الذي لأجله أخفيت معرفة وقته المعين عن الخلق .