Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 191-194)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أن هذه الآية من أقوى الدلائل على أنه ليس المراد بقوله : { فَتَعَـٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } ما ذكره من قصة إبليس إذ لو كان المراد ذلك لكانت هذه الآية أجنبية عنها بالكلية ، وكان ذلك غاية الفساد في النظم والترتيب ، بل المراد ما ذكرناه في سائر الأجوبة من أن المقصود من الآية السابقة الرد على عبدة الأوثان . وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : المقصود من هذه الآية إقامة الحجة على أن الأوثان لا تصلح للإلهية فقوله : { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } معناه أيعبدون ما لا يقدر على أن يخلق شيئاً ؟ وهم يخلقون . أي وهم مخلوقون يعني الأصنام . فإن قيل : كيف وحد { يَخْلُقُ } ثم جمع فقال : { وَهُمْ يُخْلَقُونَ } وأيضاً فكيف ذكر الواو والنون في جمع غير الناس ؟ والجواب عن الأول : أن لفظ { مَا } تقع على الواحد والاثنين والجمع ، فهذه من صيغ الوحدان يحسب ظاهر لفظها . ومحتملة للجمع فالله تعالى اعتبر الجهتين فوحد قوله : { يَخْلُقُ } رعاية لحكم ظاهر اللفظ وجمع قوله : { وَهُمْ يُخْلَقُونَ } رعاية لجانب المعنى . والجواب عن الثاني : وهو أن الجمع بالواو والنون في غير من يعقل كيف يجوز ؟ فنقول : لما اعتقد عابدوها أنها تعقل وتميز فورد هذا اللفظ بناء على ما يعتقدونه ويتصورونه ، ونظيره قوله تعالى : { وَكُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [ الأنبياء : 33 ] وقوله : { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ } [ يوسف : 4 ] وقوله : { يأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَـٰكِنَكُمْ } [ النمل : 18 ] . المسألة الثانية : قوله : { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } احتج أصحابنا بهذه الآية على أن العبد غير موجد ولا خالق لأفعاله ، قالوا : لأنه تعالى طعن في إلهية الأجسام بسبب أنها لا تخلق شيئاً وهذا الطعن إنما يتم لو قلنا إن بتقدير أنها كانت خالقة لشيء لم يتوجه الطعن في إلهيتها ، وهذا يقتضي أن كل من كان خالقاً كان إلهاً ، فلو كان العبد خالقاً لأفعال نفسه كان إلهاً ولما كان ذلك باطلاً ، علمنا أن العبد غير خالق لأفعال نفسه . أما قوله تعالى : { وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا } يريد أن الأصنام لا تنصر من أطاعها ولا تنتصر ممن عصاها . والنصر : المعونة على العدو والمعنى أن المعبود يجب أن يكون قادراً على إيصال النفع ودفع الضرر وهذه الأصنام ليست كذلك . فكيف يليق بالعاقل عبادتها ؟ ثم قال : { وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ } أي ولا يدفعون عن أنفسهم مكروهاً فإن من أراد كسرهم لم يقدروا على دفعه . ثم قال : { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَتَّبِعُوكُمْ } واعلم أنه تعالى لما أثبت بالآية المتقدمة أنه لا قدرة لهذه الأصنام على أمر من الأمور ، بين بهذه الآية أنه لا علم لها بشيء من الأشياء ، والمعنى أن هذا المعبود الذي يعبده المشركون معلوم من حاله أنه كما لا ينفع ولا يضر ، فكذا لا يصح فيه إذا دعى إلى الخير الأتباع . ولا يفصل حال من يخاطبه ممن يسكت عنه ، ثم قوى هذا الكلام بقوله : { سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَـٰمِتُونَ } وهذا مثل قوله : { سَوَاء عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ } [ البقرة : 6 ] وذكرنا ما فيه من المباحث في تلك الآية إلا أن الفرق في تلك الآية عطف الفعل على الفعل ، وههنا عطف الاسم على الفعل ، لأن قوله : { أَدَعَوْتُمُوهُمْ } جملة فعلية : وقوله : { أَمْ أَنتُمْ صَـٰمِتُونَ } جملة إسمية . واعلم أنه ثبت أن عطف الجملة الإسمية على الفعلية لا يجوز إلا لفائدة وحكمة ، وتلك الفائدة هي أن صيغة الفعل مشعرة بالتجدد والحدوث حالاً بعد حال ، وصيغة الاسم مشعرة بالدوام والثبات والاستمرار . إذا عرفت هذا فنقول : إن هؤلاء المشركين كانوا إذا وقعوا في مهم وفي معضلة تضرعوا إلى تلك الأصنام ، وإذا لم تحدث تلك الواقعة بقوا ساكتين صامتين ، فقيل لهم لا فرق بين إحداثكم دعاءهم وبين أن تستمروا على صمتكم وسكوتكم ، فهذا هو الفائدة في هذه اللفظة ، ثم أكد الله بيان أنها لا تصلح للإلهية ، فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ } وفيه سؤال : وهو أنه كيف يحسن وصفها بأنها عباد مع أنها جمادات ؟ وجوابه من وجوه : الأول : أن المشركين لما ادعوا أنها تضر وتنفع ، وجب أن يعتقدوا فيها كونها عاقلة فاهمة ، فلا جرم وردت هذه الألفاظ على وفق معتقداتهم ، ولذلك قال : { فَٱدْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ } ولم يقل فادعوهم فليستجبن لكم وقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ } ولم يقل التي . والجواب الثاني : أن هذا اللغو أورد في معرض الاستهزاء بهم أي قصارى أمرهم أن يكونوا أحياء عقلاء ، فإن ثبت ذلك فهم عباد أمثالكم ولا فضل لهم عليكم ، فلم جعلتم أنفسكم عبيداً وجعلتموها آلهة وأرباباً ؟ ثم أبطل أن يكونوا عباداً أمثالكم . فقال : { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا } [ الأعراف : 195 ] ثم أكد هذا البيان بقوله : { فَٱدْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ } ومعنى هذا الدعاء طلب المنافع وكشف المضار من جهتهم واللام في قوله : { فَلْيَسْتَجِيبُواْ } لام الأمر على معنى التعجيز والمعنى أنه لما ظهر لكل عاقل أنها لا تقدر على الإجابة ظهر أنها لا تصلح للمعبودية ، ونظيره قول إبراهيم عليه السلام لأبيه : { لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ وَلاَ يُغْنِى عَنكَ شَيْئاً } [ مريم : 42 ] وقوله : { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } أي في ادعاء أنها آلهة ومستحقة للعبادة ، ولما ثبت بهذه الدلائل الثلاثة اليقينية أنها لا تصلح للمعبودية ، وجب على العاقل أن لا يلتفت إليها ، وأن لا يشتغل إلا بعباده الإله القادر العالم الحي الحكيم الضار النافع .