Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 206-206)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وفيه مسائل : المسألة الأولى : لما رغب الله رسوله في الذكر وفي المواظبة عليه ذكر عقيبه ما يقوي دواعيه في ذلك فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ } والمعنى : أن الملائكة مع نهاية شرفهم وغاية طهارتهم وعصمتهم وبراءتهم عن بواعث الشهوة والغضب ، وحوادث الحقد والحسد ، لما كانوا مواظبين على العبودية والسجود والخضوع والخشوع ، فالإنسان مع كونه مبتلى بظلمات عالم الجسمانيات ومستعداً للذات البشرية والبواعث الإنسانية أولى بالمواظبة على الطاعة ، ولهذا السبب قال عيسى عليه السلام : { وَأَوْصَانِى بالصلاة والزكاة ما دمت حياً } [ مريم : 31 ] وقال لمحمد عليه السلام : { وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ } [ الحجر : 99 ] . المسألة الثانية : المشبهة تمسكوا بقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ } وقالوا لفظ { عِندَ } مشعر بالمكان والجهة . وجوابه أنا ذكرنا البراهين الكثيرة العقلية والنقلية في هذه السورة عند تفسير قوله : { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } [ الأعراف : 54 يونس : 3 ] على أنه يمتنع كونه تعالى حاصلاً في المكان والجهة . وإذا ثبت هذا فنقول : وجب المصير إلى التأويل في هذه الآية وبيانه من وجوه : الوجه الأول : أنه تعالى قال : { وَهُوَ مَعَكُمْ } [ الحديد : 4 ] ولا شك أن هذه المعية بالفضل والرحمة لا بالجهة فكذا ههنا ، وأيضاً جاء في الأخبار الربانية أنه تعالى قال : « أنا عند المنكسرة قلوبهم لأجلي » ولا خلاف أن هذه العندية ليست لأجل المكان والجهة ، فكذا ههنا . والوجه الثاني : إن المراد القرب بالشرف . يقال : للوزير قربة عظيمة من الأمير ، وليس المراد منه القرب بالجهة ، لأن البواب والفراش يكون أقرب إلى الملك في الجهة والحيز والمكان من الوزير ، فعلمنا أن القرب المعتبر هو القرب بالشرف لا القرب بالجهة . والوجه الثالث : أن هذا تشريف للملائكة بإضافتهم إلى الله من حيث إنه أسكنهم في المكان الذي كرمه وشرفه وجعله منزل الأنوار ومصعد الأرواح والطاعات والكرامات . والوجه الرابع : إنما قال تعالى في صفة الملائكة : { ٱلَّذِينَ عِندَ رَبّكَ } لأنهم رسل الله إلى الخلق كما يقال : إن عند الخليفة جيشاً عظيماً ، وإن كانوا متفرقين في البلد ، فكذا ههنا والله أعلم . المسألة الثانية : تمسك أبو بكر الأصم رحمه الله بهذه الآية في إثبات أن الملائكة أفضل من البشر ، لأنه تعالى لما أمر رسوله بالعبادة والذكر قال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ } والمعنى فأنت أولى وأحق بالعبادة ، وهذا الكلام إنما يصح لو كانت الملائكة أفضل منه . المسألة الرابعة : ذكر من طاعاتهم أولاً كونهم يسبحون ، وقد عرفت أن التسبيح عبارة عن تنزيه الله تعالى من كل سوء ، وذلك يرجع إلى المعارف والعلوم ، ثم لما ذكر التسبيح أردفه بذكر السجود ، وذلك يرجع إلى أعمال الجوارح ، وهذا الترتيب يدل على أن الأصل في الطاعة والعبودية أعمال القلوب ، ويتفرع عليها أعمال الجوارح . وأيضاً قوله : { وَلَهُ يَسْجُدُونَ } يفيد الحصر ومعناه : أنهم لا يسجدون لغير الله . فإن قيل : فكيف الجمع بينه وبين قوله تعالى : { فَسَجَدَ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } [ الحجر : 30 ص : 73 ] والمراد أنهم سجدوا لآدم ؟ والجواب : قال الشيخ الغزالي : الذين سجدوا لآدم ملائكة الأرض . فأما عظماء ملائكة السموات فلا . وقيل أيضاً : إن قوله : { وَلَهُ يَسْجُدُونَ } يفيد أنهم ما سجدوا لغير الله ، فهذا يفيد العموم . وقوله : فسجدوا لآدم خاص ، والخاص مقدم على العام . واعلم أن الآيات الدالة على كون الملائكة مستغرقين في العبودية كثيرة ، كقوله تعالى حكاية عنهم : { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلْمُسَبّحُونَ } [ الصافات : 165 ، 166 ] وقوله : { وَتَرَى ٱلْمَلَـٰئِكَةَ حَافّينَ مِنْ حَوْلِ ٱلْعَرْشِ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ } [ الزمر : 75 ] والله أعلم .