Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 20-22)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقال : وسوس إذا تكلم كلاماً خفياً يكرره ، وبه سمي صوت الحلي وسواساً وهو فعل غيرمتعد كقولنا : ولولوت المرأة ، وقولنا : وعوع الذئب ، ورجل موسوس بكسر الواو ولا يقال موسوس بالفتح ، ولكن موسوس له وموسوس إليه ، وهو الذي يلقي إليه الوسوسة ، ومعنى وسوس له فعل الوسوسة لأجله ووسوس إليه ألقاها إليه ، وههنا سؤالات : السؤال الأول : كيف وسوس إليه وآدم كان في الجنة وإبليس أخرج منها . والجواب : قال الحسن : كان يوسوس من الأرض إلى السماء وإلى الجنة بالقوة الفوقية التي جعلها الله تعالى له ، وقال أبو مسلم الأصفهاني : بل كان آدم وإبليس في الجنة لأن هذه الجنة كانت بعض جنات الأرض ، والذي يقوله بعض الناس من أن إبليس دخل في جوف الحية ودخلت الحية في الجنة فتلك القصة الركيكة مشهورة ، وقال آخرون : إن آدم وحواء ربما قرباً من باب الجنة ، وكان إبليس واقفاً من خارج الجنة على بابها ، فيقرب فيقرب أحدهما من الآخر وتحصل الوسوسة هناك . السؤال الثاني : أن آدم عليه السلام كان يعرف ما بينه وبين إبليس من العداوة فكيف قبل قوله . والجواب : لا يبعد أن يقال إن إبليس لقي آدم مراراً كثيرة ورغبه في أكل الشجرة بطرق كثيرة فلأجل المواظبة والمداومة على هذا التمويه أثر كلامه في آدم عليه السلام . السؤال الثالث : لم قال : { فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَـٰنُ } . والجواب : معنى وسوس له أي فعل الوسوسة لأجله والله أعلم . أما قوله تعالى : { لِيُبْدِيَ لَهُمَا } في هذا اللام قولان : أحدهما : أنه لام العاقبة كما في قوله : { فَٱلْتَقَطَهُ ءالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [ القصص : 8 ] وذلك لأن الشيطان لم يقصد بالوسوسة ظهور عورتهما ، ولم يعلم أنهما إن أكلا من الشجرة بدت عوراتهما ، وإنما كان قصده أن يحملهما على المعصية فقط . الثاني : لا يبعد أيضاً أن يقال : إنه لام الغرض ثم فيه وجهان : أحدهما : أن يجعل بدو العورة كناية عن سقوط الحرمة وزوال الجاه ، والمعنى : أن غرضه من إلقاء تلك الوسوسة إلى آدم زوال حرمته وذهاب منصبه . والثاني : لعله رأى في اللوح المحفوظ أو سمع من بعض الملائكة أنه إذا أكل من الشجرة بدت عورته ، وذلك يدل على نهاية الضرر وسقوط الحرمة ، فكان يوسوس إليه لحصول هذا الغرض ، وقوله : { مَا ووري عنهما من سوءَاتهما } فيه مباحث : البحث الأول : ما وري مأخوذ من المواراة يقال : واريته أي سترته . قال تعالى : { يواري سوأة أخيه } [ المائدة : 31 ] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي لما أخبره بوفاة أبيه : « اذهب فواره » . البحث الثاني : السوأة فرج الرجل والمرأة ، وذلك لأن ظهوره يسوء الإنسان . قال ابن عباس رضي الله عنهما كأنهما قد ألبسا ثوباً يستر عورتهما ، فلما عصيا زال عنهما ذلك الثوب فذلك قوله تعالى : { فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُما } . البحث الثالث : دلت هذه الآية على أن كشف العورة من المنكرات وأنه لم يزل مستهجناً في الطباع مستقبحاً في العقول وقوله : { مَا نَهَـٰكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَـٰلِدِينَ } يمكن أن يكون هذا الكلام ذكره إبليس بحيث خاطب به آدم وحواء ، ويمكن أيضاً أن يكون وسوسة أوقعها في قلوبهما ، والأمران مرويان إلا أن الأغلب أنه كان ذلك على سبيل المخاطبة بدليل قوله تعالى : { وَقَاسَمَهُمَا إِنّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّـٰصِحِينَ } ومعنى الكلام أن إبليس قال لهما في الوسوسة : إلا أن تكون ملكين وأراد به أن تكونا بمنزلة الملائكة إن أكلتما منها أو تكونا من الخالدين إن أكلتما ، فرغبهما بأن أوهمهما أن من أكلها صار كذلك وأنه تعالى إنما نهاهما عنها لكي لا يكونا بمنزلة الملائكة ولا يخلدا ، وفي الآية سؤالات : السؤال الأول : كيف أطمع إبليس آدم في أن يكون ملكاً عند الأكل من الشجرة مع أنه شاهد الملائكة متواضعين ساجدين له معترفين بفضله . والجواب : من وجوه : الأول : أن هذا المعنى أحد ما يدل على أن الملائكة الذين سجدوا لآدم هم ملائكة الأرض . أما ملائكة السموات وسكان العرش والكرسي والملائكة المقربون فما سجدوا ألبتة لآدم ، ولو كانوا سجدوا له لكان هذا التطميع فاسداً مختلاً . وثانيها : نقل الواحدي عن بعضهم أنه قال : إن آدم علم أن الملائكة لا يموتون إلى يوم القيامة ، ولم يعلم ذلك لنفسه فعرض عليه إبليس أن يصير مثل الملك في البقاء ، وأقول : هذا الجواب ضعيف ، لأن على هذا التقدير المطلوب من الملائكة هو الخلود وحينئذ لا يبقى فرق بين قوله : { إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ } وبين قوله : { أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَـٰلِدِينَ } . والوجه الثاني : قال الواحدي : كان ابن عباس يقرأ ملكين ويقول : ما طمعا في أن يكونا ملكين لكنهما استشرفا إلى أن يكونا ملكين ، وإنما أتاهما الملعون من جهة الملك ، ويدل على هذا قوله : { هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } [ طه : 20 ] وأقول هذا الجواب أيضاً ضعيف ، وبيانه من وجهين : الأول : هب أنه حصل الجواب على هذه القراءة : فهل يقول ابن عباس إن تلك القراءة المشهورة باطلة أو لا يقول ذلك ؟ والأول باطل ، لأن تلك القراءة قراءة متواترة ، فكيف يمكن الطعن فيها ، وأما الثاني : فعلى هذا التقدير الإشكال باق . لأن على تلك القراءة يكون بالتطميع قد وقع في أن يصير بواسطة ذلك الأكل من جملة الملائكة وحينئذ يعود السؤال . والوجه الثاني : أنه تعالى جعل سجود الملائكة والخلق له في أن يسكن الجنة ، وأن يأكل منها رغداً كيف شاء وأراد ، ولا مزيد في الملك على هذه الدرجة . السؤال الثاني : هل تدل هذه الآية على أن درجة الملائكة أكمل وأفضل من درجة النبوة . والجواب من وجوه : الأول : أنا إذا قلنا إن هذه الواقعة كانت قبل النبوة لم يدل على ذلك ولأن آدم حين طلب الوصول إلى درجة الملائكة ما كان من الأنبياء ، وعلى هذا التقدير فزال الاستدلال . والثاني : أن بتقدير « أن » تكون هذه الواقعة وقعت في زمان النبوة فلعل آدم عليه السلام رغب في أن يصير من الملائكة في القدرة والقوة والشدة أو في خلقة الذات بأن يصير جوهراً نورانياً ، وفي أن يصير من سكان العرش والكرسي ، وعلى هذا التقدير يسقط الاستدلال . السؤال الثالث : نقل أن عمرو بن عبيد قال للحسن في قوله : { إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين } وفي قوله : { وقاسمهما } قال عمرو وقلت للحسن : فهل صدقاه في ذلك . فقال الحسن معاذ الله لو صدقاه لكانا من الكافرين ووجه السؤال : أنه كيف يلزم هذا التكفير بتقدير : أن يصدقا إبليس في ذلك القول . والجواب : ذكروا في تقرير ذلك التكفير أنه عليه السلام لو صدق إبليس في الخلود لكان ذلك يوجب إنكار البعث والقيامة ، وأنه كفر . ولقائل أن يقول : لا نسلم أنه يلزم من ذلك التصديق حصول الكفر ؟ وبيانه من وجهين : الأول : أن لفظ الخلود محمول على طول المكث لا على الدوام ، وعلى هذا الوجه يندفع ما ذكروه . الوجه الثاني : هب أن الخلود مفسر بالدوام ، إلا أنا نسلم أن اعتقاد الدوام يوجب الكفر وتقريره أن العلم بأنه تعالى هل يميت هذا المكلف أو لا يميته ، علم لا يحصل إلا من دليل السمع فلعله تعالى ما بين في وقت آدم عليه السلام أنه يميت الخلق ، ولما لم يوجد ذلك الدليل السمعي كان آدم عليه السلام يجوز دوام البقاء ، فلهذا السبب رغب فيه ، وعلى هذا التقدير : فالتكفير غير لازم . السؤال الرابع : ثبت بما سبق أن آدم وحواء لو صدقا إبليس فيما قال لم يلزم تكفيرهما ، فهل يقولون إنهما صدقاه فيه قطعاً ؟ وإن لم يحصل القطع فهل يقولون إنهما ظنا أن الأمر كما قال ؟ أو ينكرون هذا الظن أيضاً . والجواب : أن المحققين أنكروا حصول هذا التصديق قطعاً وظناً ، بل الصواب أنهما إنما أقدما على الأكل لغلبة الشهوة ، لا أنهما صدقاه علماً أو ظناً كما نجد أنفسنا عند الشهوة نقدم على الفعل إذا زين لنا الغير ما نشتهيه ، وإن لم نعتقد أن الأمر كما قال . السؤال الخامس : قوله : { إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَـٰلِدِينَ } هذا الترغيب والتطميع وقع في مجموع الأمرين أو في أحدهما . والجواب : قال بعضهم : الترغيب كان في مجموع الأمرين ، لأنه أدخل في الترغيب . وقيل : بل هو على ظاهره على طريقة التخيير . ثم قال تعالى : { وَقَاسَمَهُمَا إِنّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّـٰصِحِينَ } أي وأقسم لهما إني لكما لمن الناصحين . فإن قيل : المقاسمة أن تقسم لصاحبك ويقسم لك . تقول : قاسمت فلاناً أي حالفته ، وتقاسما تحالفاً ومنه قوله تعالى : { تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ لَنُبَيّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ } [ النمل : 49 ] . قلنا : فيه وجوه : الأول : التقدير أنه قال : أقسم لكما إني لكما لمن الناصحين . وقالا له : أتقسم بالله إنك لمن الناصحين ؟ فجعل ذلك مقاسمة بينهم . والثاني : أقسم لهما بالنصيحة ، وأقسما له بقبولها . الثالث : أنه أخرج قسم إبليس على زنة المفاعلة ، لأنه اجتهد فيه اجتهاد المقاسم . إذا عرفت هذا فنقول : قال قتادة : حلف لهما بالله حتى خدعهما ، وقد يخدع المؤمن بالله ، وقوله : { إِنّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّـٰصِحِينَ } أي قال إبليس : إني خلقت قبلكما ، وأنا أعلم أحوالاً كثيرة من المصالح والمفاسد لا تعرفانها فامتثلا قولي أرشدكما . ثم قال تعالى : { فَدَلَّـٰهُمَا بِغُرُورٍ } وذكر أبو منصور الأزهري لهذه الكلمة أصلين : أحدهما : أصل الرجل العطشان يدلي رجليه في البئر ليأخذ الماء فلا يجد فيها ماء ، فوضعت التدلية موضع الطمع فيما لا فائدة فيه . فيقال : دلاه إذا أطمعه . الثاني : { فَدَلَّـٰهُمَا بِغُرُورٍ } أي أجرأهما إبليس على أكل الشجرة بغرور ، والأصل فيه دللهما من الدل ، والدالة وهي الجرأة . إذا عرفت هذا فنقول : قال ابن عباس : { فَدَلَّـٰهُمَا بِغُرُورٍ } أي غرهما باليمين ، وكان آدم يظن أن أحداً لا يحلف بالله كاذباً . وعن ابن عمر رضي الله عنه : أنه كان إذا رأى من عبده طاعة وحسن صلاة أعتقه ، فكان عبيده يفعلون ذلك طلباً للعتق . فقيل له : إنهم يخدعونك ، فقال : من خدعنا بالله انخدعنا له . ثم قال تعالى : { فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ } وذلك يدل على أنهما تناولا اليسير قصداً إلى معرفة طعمه ، ولولا أنه تعالى ذكر في آية أخرى أنهما أكلا منها ، لكان ما في هذه الآية لا يدل على الأكل ، لأن الذائق قد يكون ذائقاً من دون أكل . ثم قال تعالى : { بَدَتْ لَهُمَا } أي ظهرت عوراتهما ، وزال النور عنهما { وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ } قال الزجاج : معنى طفق : أخذ في الفعل { يَخْصِفَانِ } أي يجعلان ورقة على ورقة . ومنه قيل للذي يرقع النعل خصاف ، وفيه دليل على أن كشف العورة قبيح من لدن آدم ، ألا ترى أنهما كيف بادرا إلى الستر لما تقرر في عقلهما من قبح كشف العورة { وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا } قال عطاء : بلغني أن الله ناداهما أفراراً مني يا آدم قال بل حياء منك يا رب ما ظننت أن أحداً يقسم باسمك كاذباً ، ثم ناداه ربه أما خلقتك بيدي ، أما نفخت فيك من روحي ، أما أسجدت لك ملائكتي ، أما أسكنتك في جنتي في جواري ! ثم قال : { وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ } قال ابن عباس : بين العداوة حيث أبى السجود وقال : { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرٰطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [ الأعراف : 16 ] .