Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 3-3)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن أمر الرسالة إنما يتم بالمرسل وهو الله سبحانه وتعالى والمرسل وهو الرسول ، والمرسل إليه ، وهو الأمة ، فلما أمر في الآية الأولى الرسول بالتبليغ والإنذار مع قلب قوي ، وعزم صحيح أمر المرسل إليه . وهم الأمة بمتابعة الرسول . فقال : { ٱتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رَّبّكُمْ } وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : قال الحسن : يا ابن آدم ، أمرت باتباع كتاب الله وسنة رسوله . واعلم أن قوله : { ٱتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رَّبّكُمْ } يتناول القرآن والسنة . فإن قيل : لماذا قال : { أُنزِلَ إِلَيْكُمُ } وإنما أنزل على الرسول . قلنا : إنه منزل على الكل بمعنى أنه خطاب للكل . إذا عرفت هذا فنقول : هذه الآية تدل على أن تخصيص عموم القرآن بالقياس لا يجوز لأن عموم القرآن منزل من عند الله تعالى . والله تعالى أوجب متابعته ، فوجب العمل بعموم القرآن ولما وجب العمل به امتنع العمل بالقياس ، وإلا لزم التناقض . فإن قالوا : لما ورد الأمر بالقياس في القرآن . وهو قوله : { فَٱعْتَبِرُواْ } [ الحشر : 2 ] كان العمل بالقياس عملاً بما أنزل الله . قلنا : هب أنه كذلك إلا أنا نقول : الآية الدالة على وجوب العمل بالقياس إنما تدل على الحكم المثبت بالقياس ، لا ابتداء بل بواسطة ذلك القياس . وأما عموم القرآن ، فإنه يدل على ثبوت ذلك الحكم ابتداء لا بواسطة ، ولما وقع التعارض كان الذي دل عليه ما أنزله الله ابتداء أولى بالرعاية من الحكم الذي دل عليه ما أنزله الله بواسطة شيء آخر ، فكان الترجيح من جانبنا . والله أعلم . المسألة الثانية : قوله تعالى : { وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء } قالوا معناه ولا تتولوا من دونه أولياء من شياطين الجن والإنس فيحملوكم على عبادة الأوثان والأهواء والبدع . ولقائل أن يقول : الآية تدل على أن المتبوع إما أن يكون هو الشيء الذي أنزله الله تعالى أو غيره . أما الأول : فهو الذي أمر الله باتباعه . وأما الثاني : فهو الذي نهى الله عن اتباعه ، فكان المعنى أن كل ما يغاير الحكم الذي أنزله الله تعالى فإنه لا يجوز إتباعه . إذا ثبت هذا فنقول : إن نفاة القياس تمسكوا به في نفي القياس . فقالوا الآية تدل على أنه لا يجوز متابعة غير ما أنزل الله تعالى والعمل بالقياس متابعة لغير ما أنزله الله تعالى ، فوجب أن لا يجوز . فإن قالوا : لما دل قوله فاعتبروا على العمل بالقياس كان العمل بالقياس عملاً بما أنزله الله تعالى أجيب عنه بأن العمل بالقياس ، لو كان عملاً بما أنزله الله تعالى ، لكان تارك العمل بمقتضى القياس كافراً لقوله تعالى : { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ } [ المائدة : 44 ] وحيث أجمعت الأمة على عدم التكفير علمنا أن العمل بحكم القياس ليس عملاً بما أنزله الله تعالى ، وحينئذ يتم الدليل . وأجاب عنه مثبتو القياس : بأن كون القياس حجة ثبت بإجماع الصحابة والإجماع دليل قاطع وما ذكرتموه تمسك بظاهر العموم ، وهو دليل مظنون والقاطع أولى من المظنون . وأجاب : الأولون بأنكم أثبتم أن الإجماع حجة بعموم قوله : { وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ النساء : 115 ] وعموم قوله : { وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } [ البقرة : 143 ] وعموم قوله : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } [ آل عمران : 110 ] وبعموم قوله عليه الصلاة والسلام : " " لا تجتمع أمتي على الضلالة " " وعلى هذا فإثبات كون الإجماع حجة ، فرع عن التمسك بالعمومات ، والفرع لا يكون أقوى من الأصل . فأجاب مثبتو القياس : بأن الآيات والأحاديث والإجماع لما تعاضدت في أثبات القياس قويت القوة وحصل الترجيح . والله أعلم . المسألة الثالثة : الحشوية الذين ينكرون النظر العقلي والبراهين العقلية ، تمسكوا بهذه الآية وهو بعيد لأن العلم بكون القرآن حجة موقوف على صحة التمسك بالدلائل العقلية ، فلو جعلنا القرآن طاعناً في صحة الدلائل العقلية لزم التناقض وهو باطل . المسألة الرابعة : قرأ ابن عامر { قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } [ النمل : 62 ] بالياء تارة والتاء أخرى . وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم بالتاء وتخفيف الذال ، والباقون بالتاء وتشديد الذال . قال الواحدي رحمه الله : تذكرون أصله تتذكرون فأدغم تاء تفعل في الذال لأن التاء مهموسة ، والذال مجهورة والمجهور أزيد صوتاً من المهموس ، فحسن إدغام الأنقص في الأزيد ، وما موصولة بالفعل وهي معه بمنزلة المصدر . فالمعنى : قليلاً تذكركم ، وأما قراءة ابن عامر { يَتَذَكَّرُونَ } بياء وتاء فوجهها أن هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي قليلاً ما يتذكر هؤلاء الذين ذكروا بهذا الخطاب ، وأما قراءة حمزة والكسائي وحفص ، خفيفة الذال شديدة الكاف ، فقد حذفوا التاء التي أدغمها الأولون ، وذلك حسن لاجتماع ثلاثة أحرف متقاربة والله أعلم . قال صاحب « الكشاف » : وقرأ مالك بن دينار ولا تبتغوا من الابتغاء من قوله تعالى : { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإسْلَـٰمِ دِينًا } [ آل عمران : 85 ] .