Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 81-81)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وفيه مسائل : المسألة الأولى : قرأ نافع وحفص عن عاصم { إنكم } بكسر الألف ومذهب نافع أن يكتفي بالاستفهام بالأولى من الثاني في كل القرآن . وقرأ ابن كثير { أئنكم } بهمزة غير ممدودة وبين الثانية ، وقرأ أبو عمرو بهمزة ممدودة بالتخفيف ، وبين الثانية . والباقون بهمزتين على الأصل . قال الواحدي : من استفهم كان هذا استفهاماً معناه الإنكار لقوله : { أتأتون الفاحشة } [ الأعراف : 80 ] وكل واحد من الاستفهامين جملة مستقلة لا تحتاج في تمامها إلى شيء . المسألة الثانية : قوله : { شهوة } مصدر . قال أبو زيد شهي يشهي شهوة وانتصابها على المصدر ، لأن قوله : { أتأتون الرجال } معناه أتشتهون شهوة ؟ وإن شئت قلت إنها مصدر وقع موقع الحال . المسألة الثالثة : في بيان الوجوه الموجبة لقبح هذا العمل . اعلم أن قبح هذا العمل كالأمر المقرر في الطباع ، فلا حاجة فيه إلى تعديد الوجوه على التفصيل ثم نقول موجبات القبح فيه كثيرة : أولها : أن أكثر الناس يحترزون عن حصول الولد ، لأن حصوله يحمل الإنسان على طلب المال وإتعاب النفس في الكسب ، إلا أنه تعالى جعل الوقاع سبباً لحصول اللذة العظيمة ، حتى أن الإنسان بطلب تلك اللذة يقدم على الوقاع ، وحينئذ يحصل الولد شاء أم أبى ، وبهذا الطريق يبقى النسل ولا ينقطع النوع ، فوضع اللذة في الوقاع ، كشبه الإنسان الذي وضع الفخ لبعض الحيوانات ، فإنه لا بد وأن يضع في ذلك الفخ شيئاً يشتهيه ذلك الحيوان حتى يصير سبباً لوقوعه في ذلك الفخ ، فوضع اللذة في الوقاع يشبه وضع الشيء الذي يشتهيه الحيوان في الفخ ، والمقصود منه إبقاء النوع الإنساني الذي هو أشرف الأنواع . إذا ثبت هذا فنقول : لو تمكن الإنسان من تحصيل تلك اللذة بطريق لا تفضي إلى الولد ، لم تحصل الحكمة المطلوبة ، ولأدى ذلك إلى انقطاع النسل ، وذلك على خلاف حكم الله ، فوجب الحكم بتحريمه قطعاً ، حتى تحصل تلك اللذة بالطريق المفضي إلى الولد . والوجه الثاني : وهو أن الذكورة مظنة الفعل ، والأنوثة مظنة الانفعال ، فإذا صار الذكر منفعلاً ، والأنثى فاعلاً ، كان ذلك على خلاف مقتضى الطبيعة ، وعلى عكس الحكمة الإلهية . والوجه الثالث : الاشتغال بمحض الشهوة تشبه بالبهيمة ، وإذا كان الاشتغال بالشهوة يفيد فائدة أخرى سوى قضاء الشهوة ، فليكن قضاء الشهوة من المرأة يفيد فائدة أخرى سوى قضاء الشهوة ، وهو حصول الولد وإبقاء النوع الإنساني الذي هو أشرف الأنواع فأما قضاء الشهوة من الذكر فإنه لا يفيد إلا مجرد قضاء الشهوة ، فكان ذلك تشبهاً بالبهائم ، وخروجاً عن الغريزة الإنسانية ، فكان في غاية القبح . والوجه الرابع : هب أن الفاعل يلتذ بذلك العمل ، إلا أنه يبقى في إيجاب العار العظيم ، والعيب الكامل بالمفعول على وجه لا يزول ذلك العيب عنه أبداً لدهر ، والعاقل لا يرضى لأجل لذة خسيسة منقضية في الحال ، إيجاب العيب الدائم الباقي بالغير . والوجه الخامس : أنه عمل يوجب استحكام العداوة بين الفاعل والمفعول ، وربما يؤدي ذلك إلى إقدام المفعول على قتل الفاعل لأجل أنه ينفر طبعه عند رؤيته ، أو على إيجاب إنكائه بكل طريق يقدر عليه . أما حصول هذا العمل بين الرجل والمرأة ، فإنه يوجب استحكام الألفة والمودة وحصول المصالح الكبيرة ، كما قال تعالى : { خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوٰجاً لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } [ الروم : 21 ] . والوجه السادس : أنه تعالى أودع في الرحم قوة شديدة الجذب للمني فإذا واقع الرجل المرأة قوي الجذب ، فلم يبق شيء من المني في المجاري إلا وينفصل . أما إذا واقع الرجل فلم يحصل في ذلك العضو المعين من المفعول قوة جاذبة للمني ، وحينئذ لا يكمل الجذب ، فيبقى شيء من أجزاء المني في تلك المجاري ، ولا ينفصل ، ويعفن ويفسد ويتولد منه الأورام الشديدة والأسقام العظيمة وهذه فائدة لا يمكن معرفتها إلا بالقوانين الطبية ، فهذه هي الوجوه الموجبة لقبح هذا العمل ورأيت بعض من كان ضعيفاً في الدين يقول : إنه تعالى قال : { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـٰفِظُونَ إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوٰجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُمْ } [ المؤمنون : 5 المعارج : 29 ] وذلك يقتضي حل وطء المملوك مطلقاً سواء كان ذكراً أو أنثى قال : ولا يمكن أن يقال أنا نخصص هذا العموم بقوله تعالى : { أَتَأْتُونَ ٱلذُّكْرَانَ مِنَ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [ الشعراء : 165 ] وقوله : { أَتَأْتُونَ ٱلْفَـٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مّن ٱلْعَـٰلَمِينَ } [ الأعراف : 80 ] قال لأن هاتين الآيتين كل واحد منهما أعم من الأخرى من وجه ، وأخص من وجه ، وذلك لأن المملوك قد يكون ذكراً ، وقد يكون أنثى ، وأيضاً الذكر قد يكون مملوكاً ، وقد لا يكون مملوكاً ، وإذا كان الأمر كذلك لم يكن تخصيص إحداهما بالأخرى أولى من العكس ، والترجيح من هذا الجانب ، لأن قوله : { إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوٰجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُمْ } شرع محمد ، وقصة لوط ، شرع سائر الأنبياء ، وشرع محمد عليه الصلاة والسلام أولى من شرع من تقدمه من الأنبياء ، وأيضاً الأصل في المنافع والملاذ الحل ، وأيضاً الملك مطلق للتصرف . فقل له الاستدلال إنما يقبل في موضع الاحتمال ، وقد ثبت بالتواتر الظاهر من دين محمد حرمة هذا العمل ، والمبالغة في المنع منه ، والاستدلال إذا وقع في مقابلة النقل المتواتر ، كان باطلاً . ثم قال تعالى حكاية عن لوط أنه قال لهم : { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } والمعنى كأنه قال لهم : أنتم مسرفون في كل الأعمال ، فلا يبعد منكم أيضاً إقدامكم على هذا الإسراف .