Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 85-85)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أن هذا هو القصة الخامسة ، وقد ذكرنا أن التقدير : { وَأَرْسَلْنَا إِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَـٰهُمْ شُعَيْباً } وذكرنا أن هذه الأخوة كانت في النسب لا في الدين ، وذكرنا الوجوه فيه ، واختلفوا في مدين فقيل : إنه اسم البلد ، وقيل : إنه اسم القبيلة بسبب أنهم أولاد مدين بن إبراهيم عليه السلام ، ومدين صار اسماً للقبيلة ، كما يقال : بكر وتميم وشعيب من أولاده ، وهو : شعيب بن نويب بن مدين بن إبراهيم خليل الرحمن . واعلم أنه تعالى حكى عن شعيب أنه أمر قومه في هذه الآية بأشياء : الأول : أنه أمرهم بعبادة الله ونهاهم عن عبادة غير الله ، وهذا أصل معتبر في شرائع جميع الأنبياء . فقال : { ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَالَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } والثاني : أنه ادعى النبوة فقال : { قَدْ جَاءتْكُم بَيّنَةٌ مّن رَّبّكُمْ } ويجب أن يكون المراد من البينة ههنا المعجزة ، لأنه لا بد لمدعي النبوة منها ، وإلا لكان متنبئاً لا نبياً ، فهذه الآية دلت على أنه حصلت له معجزة دالة على صدقه . فأما أن تلك المعجزة من أي الأنواع كانت فليس في القرآن دلالة عليه ، كما لم يحصل في القرآن الدلالة على كثير من معجزات رسولنا . قال صاحب « الكشاف » : ومن معجزات شعيب أنه دفع إلى موسى عصاه ، وتلك العصا حاربت التنين ، وأيضاً قال لموسى : إن هذه الأغنام تلد أولاداً فيها سواد وبياض ، وقد وهبتها منك ، فكان الأمر كما أخبر عنه . ثم قال : وهذه الأحوال كانت معجزات لشعيب عليه السلام ، لأن موسى في ذلك الوقت ما ادعى الرسالة . واعلم أن هذا الكلام بناء على أصل مختلف بين أصحابنا ، وبين المعتزلة وذلك لأن عندنا أن الذي يصير نبياً ورسولاً بعد ذلك ، يجوز أن يظهر الله عليه أنواع المعجزات قبل إيصال الوحي ، ويسمى ذلك إرهاصاً للنبوة ، فهذا الإرهاص عندنا جائز ، وعند المعتزلة غير جائز ، فالأحوال التي حكاها صاحب « الكشاف » هي عندنا إرهاصات لموسى عليه السلام ، وعند المعتزلة معجزات لشعيب لما أن الإرهاص عندهم غير جائز ، والثالث : أنه قال : { فَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ } . واعلم أن عادة الأنبياء عليهم السلام إذا رأوا قومهم مقبلين على نوع من أنواع المفاسد إقبالاً أكثر من إقبالهم على سائر أنواع المفاسد بدأوا يمنعهم عن ذلك النوع ، وكان قوم شعيب مشغوفين بالبخس والتطفيف ، فلهذا السبب بدأ بذكر هذه الواقعة فقال : { فَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ } وههنا سؤالان : السؤال الأول : الفاء في قوله : { فَأَوْفُواْ } توجب أن تكون للأمر بإيفاء الكيل كالمعلول والنتيجة عما سبق ذكره وهو قوله : { قَدْ جَاءتْكُم بَيّنَةٌ مّن رَّبّكُمْ } فكيف الوجه فيه ؟ والجواب : كأنه يقول البخس والتطفيف عبارة عن الخيانة بالشيء القليل . وهو أمر مستقبح في العقول ، ومع ذلك قد جاءت البينة والشريعة الموجبة للحرمة ، فلم يبق لكم فيه عذر { فَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ } . السؤال الثاني : كيف قال { الكيل والميزان } ، ولم يقل { المكيال والميزان } [ هود : 84 ] كما في سورة هود ؟ والجواب : أراد بالكيل آلة الكيل ، وهو المكيال ، أو يسمى ما يكال به بالكيل ، كما يقال العيش لما يعاش . والرابع : قوله : { وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ } والمراد أنه لما منع قومه من البخس في الكيل والوزن منعهم بعد ذلك من البخس والتنقيص بجميع الوجوه ، ويدخل فيه المنع من الغصب والسرقة ، وأخذ الرشوة ، وقطع الطريق وانتزاع الأموال بطريق الحيل . والخامس : قوله : { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَـٰحِهَا } وذلك لأنه لما كان أخذ أموال الناس بغير رضاها يوجب المنازعة والخصومة ، وهما يوجبان الفساد ، لا جرم قال بعده : { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَـٰحِهَا } وقد سبق تفسير هذه الكلمة ، وذكروا فيه وجوهاً فقيل : { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَـٰحِهَا } بأن تقدموا على البخس في الكيل والوزن ، لأن ذلك يتبعه الفساد . وقيل : أراد به المنع من كل ما كان فساداً حملاً للفظ على عمومه . وقيل : قوله : { وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءهُمْ } منع من مفاسد الدنيا وقوله : { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأَرْضِ } منع من مفاسد الدين حتى تكون الآية جامعة للنهي عن مفاسد الدنيا والدين ، واختلفوا في معنى { بَعْدَ إِصْلَـٰحِهَا } قيل : بعد أن صلحت الأرض بمجيء النبي بعد أن كانت فاسدة بخلوها منه ، فنهاهم عن الفساد ، وقد صارت صالحة . وقيل : المراد أن لا تفسدوا بعد أن أصلحها الله بتكثير النعم فيهم ، وحاصل هذه التكاليف الخمسة يرجع إلى أصلين التعظيم لأمر الله ، ويدخل فيه الإقرار بالتوحيد والنبوة ، والشفقة على خلق الله ، ويدخل فيه ترك البخس ، وترك الإفساد ، وحاصلها يرجع إلى ترك الإيذاء ، كأنه تعالى يقول : إيصال النفع إلى الكل متعذر . وأما كف الشر عن الكل فممكن ، ثم إنه تعالى لما ذكر هذه الخمسة . قال : { ذٰلِكُمْ } وهو إشارة إلى هذه الخمسة ، والمعنى : خير لكم في الآخرة إن كنتم مؤمنين بالآخرة ، والمراد : أترك البخس وترك الإفساد خير لكم في طلب المال في المعنى لأن الناس إذا علموا منكم الوفاء والصدق والأمانة ، رغبوا في المعاملات معكم ، فكثرت أموالكم { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } أي إن كنتم مصدقين لي في قولي .