Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 96-99)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنه تعالى لما بين في الآية الأولى أن الذين عصوا وتمردوا أخذهم الله بغتة ، بين في هذه الآية أنهم لو أطاعوا لفتح الله عليهم أبواب الخيرات فقال : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءامَنُواْ } أي آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر { وَٱتَّقَوْاْ } ما نهى الله عنه وحرمه { لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأَرْضِ } بركات السماء بالمطر ، وبركات الأرض بالنبات والثمار ، وكثرة المواشي والأنعام ، وحصول الأمن والسلامة ، وذلك لأن السماء تجري مجرى الأب ، والأرض تجري مجرى الأم ، ومنها يحصل جميع المنافع والخيرات بخلق الله تعالى وتدبيره . وقوله : { وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ } يعني الرسل { فَأَخَذْنَـٰهُمْ } بالجدوبة والقحط { بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } من الكفر والمعصية . ثم إنه تعالى أعاد التهديد بعذاب الاستئصال فقال : { أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَى } وهو استفهام بمعنى الإنكار عليهم ، والمقصود أنه تعالى خوفهم بنزول ذلك العذاب عليهم في الوقت الذي يكونون فيه في غاية الغفلة ، وهو حال النوم بالليل ، وحال الضحى بالنهار لأنه الوقت الذي يغلب على المرء التشاغل باللذات فيه . وقوله : { وَهُمْ يَلْعَبُونَ } يحتمل التشاغل بأمور الدنيا ، فهي لعب ولهو ، ويحتمل خوضهم في كفرهم ، لأن ذلك كاللعب في أنه لا يضر ولا ينفع . قرأ أكثر القراء { أَوَ أَمِنَ } بفتح الواو ، وهو حرف العطف دخلت عليه همزة الاستفهام ، كما دخل في قوله : { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ } [ يونس : 51 ] وقوله : { أَوْ كُلَّمَا عَـٰهَدُواْ } [ البقرة : 100 ] وهذه القراءة أشبه بما قبله وبعده ، لأن قبله { أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَى } وما بعده { أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ ٱللَّهِ } [ الأعراف : 99 ] { أَوَ لَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلأَرْضَ } [ الأعراف : 100 ] وقرأ ابن عامر { أَوَ أَمِنَ } ساكنة الواو ، واستعمل على ضربين : أحدهما : أن تكون بمعنى أحد الشيئين ، كقوله : زيد أو عمرو جاء ، والمعنى أحدهما جاء . والضرب الثاني : أن تكون للاضراب عما قبلها ، كقولك : أنا أخرج أو أقيم ، أضربت عن الخروج ، وأثبت الإقامة ، كأنك قلت : لا بل أقيم . فوجه هذه القراءة أنه جعل « أو » للاضراب لا على أنه أبطل الأول ، وهو { الم تَنزِيلُ ٱلْكِتَـٰبِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِ ٱلْعَـٰلَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ } [ السجدة : 1 ، 2 ] فكان المعنى من هذه الآية استواء هذه الضروب من العذاب ، وإن شئت جعلت « أو » ههنا التي لأحد الشيئين ، ويكون المعنى : أفأمنوا إحدى هذه العقوبات ، وقوله : { ضُحًى } الضحى صدر النهار ، وأصله الظهور من قولهم : ضحا للشمس إذا ظهر لها . ثم قال تعالى : { أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ ٱللَّهِ } وقد سبق تفسير المكر في اللغة ، ومعنى المكر في حق الله تعالى في سورة آل عمران عند قوله : { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ } [ آل عمران : 54 ] ويدل قوله : { أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ ٱللَّهِ } أن المراد أن يأتيهم عذابه من حيث لا يشعرون . قاله على وجه التحذير ، وسمي هذا العذاب مكراً توسعاً ، لأن الواحد منا إذا أراد المكر بصاحبه ، فإنه يوقعه في البلاء من حيث لا يشعر به ، فسمي العذاب مكراً لنزوله بهم من حيث لا يشعرون ، وبين أنه لا يأمن من نزول عذاب الله على هذا الوجه { إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ } وهم الذين لغفلتهم وجهلهم لا يعرفون ربهم ، فلا يخافونه ، ومن هذه سبيله ، فهو أخسر الخاسرين في الدنيا والآخرة ، لأنه أوقع نفسه في الدنيا في الضرر ، وفي الآخرة في أشد العذاب .