Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 71, Ayat: 2-4)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَنِ ٱعْبُدُواْ } هو نظير { أَنْ أَنذِرِ } [ نوح : 1 ] في الوجهين ، ثم إنه أمر القوم بثلاثة أشياء بعبادة الله وتقواه وطاعة نفسه ، فالأمر بالعبادة يتناول جميع الواجبات والمندوبات من أفعال القلوب وأفعال الجوارح ، والأمر بتقواه يتناول الزجر عن جميع المحظورات والمكروهات ، وقوله : { وَأَطِيعُونِ } يتناول أمرهم بطاعته وجميع المأمورات والمنهيات ، وهذا وإن كان داخلاً في الأمر بعبادة الله وتقواه ، إلا أنه خصه بالذكر تأكيداً في ذلك التكليف ومبالغة في تقريره ، ثم إنه تعالى لما كلفهم بهذه الأشياء الثلاثة وعدهم عليها بشيئين أحدهما : أن يزيل مضار الآخرة عنهم ، وهو قوله : { يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ } . الثاني : يزيل عنهم مضار الدنيا بقدر الإمكان ، وذلك بأن يؤخر أجلهم إلى أقصى الإمكان . وههنا سؤالات : السؤال الأول : ما فائدة { مِنْ } في قوله : { يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ } ؟ والجواب من وجوه أحدها : أنها صلة زائدة والتقدير يغفر لكم ذنوبكم والثاني : أن غفران الذنب هو أن لا يؤاخذ به ، فلو قال : يغفر لكم ذنوبكم ، لكان معناه أن لا يؤاخذكم بمجموع ذنوبكم ، وعدم المؤاخذة بالمجموع لا يوجب عدم المؤاخذة بكل واحد من آحاد المجموع ، فله أن يقول : لا أطالبك بمجموع ذنوبك ، ولكني أطالبك بهذا الذنب الواحد فقط ، أما لما قال : { يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ } كان تقديره يغفر كل ما كان من ذنوبكم ، وهذا يقتضي عدم المؤاخذة على مجموع الذنوب وعدم المؤاخذة أيضاً على كل فرد من أفراد المجموع الثالث : أن قوله : { يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ } هب أنه يقتضي التبعيض لكنه حتى لأن من آمن فإنه يصير ما تقدم من ذنوبه على إيمانه مغفوراً ، أما ما تأخر عنه فإنه لا يصير بذلك السبب مغفوراً ، فثبت أنه لا بد ههنا من حرف التبعيض . السؤال الثاني : كيف قال : { وَيُؤَخّرْكُمْ } مع إخباره بامتناع تأخير الأجل ، وهل هذا إلا تناقض ؟ الجواب : قضى الله مثلاً أن قوم نوح إن آمنوا عمرهم الله ألف سنة ، وإن بقوا على كفرهم أهلكهم على رأس تسعمائة سنة ، فقيل لهم : آمنوا يؤخركم إلى أجل مسمى أي إلى وقت سماه الله وجعله غاية الطول في العمر ، وهو تمام الألف ، ثم أخبر أنه إذا انقضى ذلك الأجل الأطول ، لا بد من الموت . السؤال الثالث : ما الفائدة في قوله { لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } الجواب : الغرض الزجر عن حب الدنيا ، وعن التهالك عليها والإعراض عن الدين بسبب حبها ، يعني أن غلوهم في حب الدنيا وطلب لذاتها بلغ إلى حيث يدل على أنهم شاكون في الموت .