Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 72, Ayat: 16-17)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا من جملة الموحى إليه والتقدير : قل أوحي إلي أنه استمع نفر وأن لو استقاموا فيكون هذا هو النوع الثاني مما أوحي إليه ، وههنا مسائل : المسألة الأولى : أن مخففة من الثقيلة والمعنى : وأوحي إليَّ أن الشأن والحديث لو استقاموا لكان كذا وكذا . قال الواحدي : وفصل لو بينها وبين الفعل كفصل ولا السين في قوله : { أَن لا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً } [ طه : 89 ] و { عَلِمَ أَن سَيَكُونُ } [ المزمل : 20 ] . المسألة الثانية : الضمير في قوله : { ٱسْتَقَـٰمُواْ } إلى من يرجع ؟ فيه قولان : قال بعضهم : إلى الجن الذين تقدم ذكرهم ووصفهم ، أي هؤلاء القاسطون لو آمنا لفعلنا بهم كذا وكذا . وقال آخرون : بل المراد الإنس ، واحتجوا عليه بوجهين الأول : أن الترغيب بالانتفاع بالماء الغدق إنما يليق بالإنس لا بالجن والثاني : أن هذه الآية إنما نزلت بعدما حبس الله المطر عن أهل مكة سنين ، أقصى ما في الباب أنه لم يتقدم ذكر الإنس ، ولكنه لما كان ذلك معلوماً جرى مجرى قوله : { إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } [ القدر : 1 ] وقال القاضي : الأقرب أن الكل يدخلون فيه . وأقول : يمكن أن يحتج لصحة قول القاضي بأنه تعالى لما أثبت حكماً معللاً بعلة وهو الاستقامة ، وجب أن يعم الحكم بعموم العلة . المسألة الثالثة : الغدق بفتح الدال وكسرها : الماء الكثير ، وقرىء بهما يقال : غدقت العين بالكسر فهي غدقة ، وروضة مغدقة أي كثيرة الماء ، ومطر مغدوق وغيداق وغيدق إذا كان كثير الماء ، وفي المراد بالماء الغدق في هذه الآية ثلاثة أقوال : أحدها : أنه الغيث والمطر ، والثاني : وهو قول أبي مسلم : أنه إشارة إلى الجنة كما قال : { جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } [ البقرة : 25 ] وثالثها : أنه المنافع والخيرات جعل الماء كناية عنها ، لأن الماء أصل الخيرات كلها في الدنيا . المسألة الرابعة : إن قلنا : الضمير في قوله : { ٱسْتَقَـٰمُواْ } راجع إلى الجن كان في الآية قولان : أحدهما : لو استقام الجن على الطريقة المثلى أي لو ثبت أبوهم الجان على ما كان عليه من عبادة الله ولم يستكبر عن السجود لآدم ولم يكفر وتبعه ولده على الإسلام لأنعمنا عليهم ، ونظيره قوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ ءامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ } [ المائدة : 65 ] وقوله : { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِمْ مّن رَّبّهِمْ لأَكَلُواْ } [ المائدة : 66 ] وقوله : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ } [ الطلاق : 2 ، 3 ] وقوله : { فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ } إلى قوله { وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوٰلٍ وَبَنِينَ } [ نوح : 12 ] وإنما ذكر الماء كناية عن طيب العيش وكثرة المنافع ، فإن اللائق بالجن هو هذا الماء المشروب والثاني : أن يكون المعنى وأن لو استقام الجن الذين سمعوا القرآن على طريقتهم التي كانوا عليها قبل الاستماع ولم ينتقلوا عنها إلى الإسلام لوسعنا عليهم الرزق ، ونظيره قوله تعالى : { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وٰحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مّن فِضَّةٍ } [ الزخرف : 33 ] واختار الزجاج الوجه الأول قال : لأنه تعالى ذكر الطريقة معرفة بالألف واللام فتكون راجعة إلى الطريقة المعروفة المشهورة وهي طريقة الهدى والذاهبون إلى التأويل الثاني استدلوا عليه بقوله بعد هذه الآية { لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } فهو كقوله : { إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً } [ آل عمران : 178 ] ويمكن الجواب عنه أن من آمن فأنعم الله عليه كان ذلك الإنعام أيضاً ابتلاء واختباراً حتى يظهر أنه هل يشتغل بالشكر أم لا ، وهل ينفقه في طلب مراضي الله أو في مراضي الشهوة والشيطان ، وأما الذين قالوا : الضمير عائد إلى الإنس ، فالوجهان عائدان فيه بعينه وههنا يكون إجراء قوله : { لأَسْقَيْنَـٰهُم مَّاء غَدَقاً } على ظاهره أولى لأن انتفاع الإنس بذلك أتم وأكمل . المسألة الخامسة : احتج أصحابنا بقوله : { لِنَفْتِنَهُمْ } على أنه تعالى يضل عباده ، والمعتزلة أجابوا بأن الفتنة هي الاختبار كما يقال : فتنت الذهب بالنار لاخلق الضلال ، واستدلت المعتزلة باللام في قوله { لِنَفْتِنَهُمْ } على أنه تعالى إنما يفعل لغرض ، وأصحابنا أجابوا أن الفتنة بالاتفاق ليست مقصودة فدلت هذه الآية على أن اللام ليست للغرض في حق الله . وقوله تعالى : { وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبّهِ } أي عن عبادته أو عن موعظته ، أو عن وحيه . يسلكه ، وقرىء بالنون مفتوحة ومضمومة أي ندخله عذاباً ، والأصل نسلكه في عذاب كقوله : { مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ } [ المدثر : 42 ] إلا أن هذه العبارة أيضاً مستقيمة لوجهين الأول : أن يكون التقدير نسلكه في عذاب ، ثم حذف الجار وأوصل الفعل ، كقوله : { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ } [ الأعراف : 155 ] والثاني : أن يكون معنى نسلكه أي ندخله ، يقال : سلكه وأسلكه ، والصعد مصدر صعد ، يقال : صعد صعداً وصعوداً ، فوصف به العذاب لأنه يصعد فوق طاقة المعذب أي يعلوه ويغلبه فلا يطيقه ، ومنه قول عمر : ما تصعدني شيء ما تصعدتني خطبة النكاح ، يريد ما شق علي ولا غلبني ، وفيه قول آخر وهو ما روي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن صعداً جبل في جهنم ، وهو صخرة ملساء ، فيكلف الكافر صعودها ثم يجذب من أمامه بسلاسل ويضرب من خلفه بمقامع حتى يبلغ أعلاها في أربعين سنة ، فإذا بلغ أعلاها جذب إلى أسفلها ، ثم يكلف الصعود مرة أخرى ، فهذا دأبه أبداً ، ونظير هذه الآية قوله تعالى : { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } [ المدثر : 17 ] . النوع الثالث : من جملة الموحى قوله تعالى :