Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 72, Ayat: 19-19)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أن عبدالله هو النبي صلى الله عليه وسلم في قول الجميع ، ثم قال الواحدي : إن هذا من كلام الجن لا من جملة الموحى ، لأن الرسول لا يليق أن يحكي عن نفسه بلفظ المغايبة وهذا غير بعيد ، كما في قوله : { يَوْمٍ يُحْشَرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً } [ مريم : 85 ] والأكثرون على أنه من جملة الموحى ، إذ لو كان من كلام الجن لكان ما ليس من كلام الجن . وفي خلل ما هو كلام الجن مختلاً بعيداً عن سلامة النظم وفائدة هذا الاختلاف أن من جعله من جملة الموحى فتح الهمزة في أن ، ومن جعله من كلام الجن كسرها ، ونحن نفسر الآية على القولين ، أما على قول من قال : إنه من جملة الموحى فالضمير في قوله : { كَادُواْ } إلى من يعود ؟ فيه ثلاثة أوجه أحدها : إلى الجن ، ومعنى { قَامَ … يَدْعُوهُ } أي قام يعبده يريد قيامه لصلاة الفجر حين أتاه الجن ، فاستمعوا القراءة { كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } ، أي يزدحمون عليه متراكمين تعجباً مما رأوا من عبادته ، واقتداء أصحابه به قائماً وراكعاً ، وساجداً وإعجاباً بما تلا من القرآن ، لأنهم رأوا مالم يروا مثله ، وسمعوا ما لم يسمعوا مثله والثاني : لما قدم رسول الله يعبد الله وحده مخالفاً للمشركين في عبادتهم الأوثان ، كاد المشركون لتظاهرهم عليه وتعاونهم على عداوته يزدحمون عليه والثالث : وهو قول قتادة : لما قام عبدالله تلبدت الإنس والجن ، وتظاهروا عليه ليبطلوا الحق الذي جاء به ويطفئوا نور الله ، فأبى الله إلا أن ينصره ويظهره على من عاداه ، وأما على قول من قال : إنه من كلام الجن ، فالوجهان أيضاً عائدان فيه ، وقوله : { لِبَداً } فهو جمع لبدة وهو ما تلبد بعضه على بعض وارتكم بعضه على بعض ، وكل شيء ألصقته بشيء إلصاقاً شديداً فقد لبدته ، ومنه اشتقاق هذه اللبود التي تفرش ويقال : لبدة الأسد لما يتلبد من الشعر بين كتفيه ، ومنه قول زهير : @ لدى أسد شاكي السلاح مقذف له لبد أظفاره لم تقلم @@ وقرىء : { لِبَداً } بضم اللام واللبدة في معنى اللبدة ، وقرىء { لِبَداً } جمع لابد كسُجِّد وساجد . وقرىء أيضاً : { لِبَداً } بضم اللام والباء جمع لبود كصبر جمع صبور ، فإن قيل : لم سمي محمداً بعبدالله ، وما ذكره برسول الله أو نبي الله ؟ قلنا : لأنه إن كان هذا الكلام من جملة الموحى ، فاللائق بتواضع الرسول أن يذكر نفسه بالعبودية ، وإن كان من كلام الجن كان المعنى أن عبدالله لما اشتغل بعبودية الله ، فهؤلاء الكفار لم اجتمعوا ولم حاولوا منعه منه ، مع أن ذلك هو الموافق لقانون العقل ؟ .