Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 72, Ayat: 9-9)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي كنا نستمع فالآن متى حاولنا الاستماع رمينا بالشهب ، وفي قوله : { شِهَاباً رَّصَداً } وجوه أحدها : قال مقاتل : يعني رمياً من الشهب ورصداً من الملائكة ، وعلى هذا يجب أن يكون التقدير شهاباً ورصداً لأن الرصد غير الشهاب وهو جمع راصد وثانيها : قال الفراء : أي شهاباً قد أرصد له ليرجم به ، وعلى هذا الرصد نعت للشهاب ، وهو فعل بمعنى مفعول وثالثها : يجوز أن يكون رصداً أي راصداً ، وذلك لأن الشهاب لما كان معداً له ، فكأن الشهاب راصد له ومترصد له واعلم أنا قد استقصينا في هذه المسألة في تفسير قوله تعالى : { وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَاء ٱلدُّنْيَا بِمَصَـٰبِيحَ وَجَعَلْنَـٰهَا رُجُوماً لّلشَّيَـٰطِينِ } [ الملك : 5 ] فإن قيل : هذه الشهب كانت موجودة قبل المبعث ، ويدل عليه أمور أحدها : أن جميع الفلاسفة المتقدمين تكلموا في أسباب انقضاض هذه الشهب ، وذلك يدل على أنها كانت موجودة قبل المبعث وثانيها : قوله تعالى : { وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَاء ٱلدُّنْيَا بِمَصَـٰبِيحَ وَجَعَلْنَـٰهَا رُجُوماً لّلشَّيَـٰطِينِ } ذكر في خلق الكواكب فائدتين ، التزيين ورجم الشياطين وثالثها : أن وصف هذا الانقضاض جاء في شعر أهل الجاهلية ، قال أوس بن حجر : @ فانقض كالدريّ يتبعه نقع يثور تخاله طنبا @@ وقال عوف بن الخرع : @ يرد علينا العير من دون إلفه أو الثور كالدرى يتبعه الدم @@ وروى الزهري عن علي بن الحسين عن ابن عباس رضي الله عنهما : " " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في نفر من الأنصار إذ رمي بنجم فاستنار فقال : ما كنتم تقولون في مثل هذا في الجاهلية ؟ فقالوا كنا نقول : يموت عظيم أو يولد عظيم " " الحديث إلى آخره ذكرناه في تفسير قوله تعالى : { وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَاء ٱلدُّنْيَا بِمَصَـٰبِيحَ } قالوا : فثبت بهذه الوجوه أن هذه الشهب كانت موجودة قبل المبعث ، فما معنى تخصيصها بمحمد عليه الصلاة والسلام ؟ والجواب : مبني على مقامين : المقام الأول : أن هذه الشهب ما كانت موجودة قبل المبعث وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما ، وأبي بن كعب ، روي عن ابن عباس قال : كان الجن يصعدون إلى السماء فيستمعون الوحي فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعاً ، أما الكلمة فإنها تكون حقة ، وأما الزيادات فتكون باطلة فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم منعوا مقاعدهم ، ولم تكن النجوم يرى بها قبل ذلك ، فقال لهم إبليس : ما هذا إلا لأمر حدث في الأرض ، فبعث جنوده فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً يصلي ، الحديث إلى آخره ، وقال أبي بن كعب : لم يرم بنجم منذ رفع عيسى حتى بعث رسول الله فرمي بها ، فرأت قريش أمراً ما رأوه قبل ذلك فجعلوا يسيبون أنعامهم ويعتقون رقابهم ، يظنون أنه الفناء ، فبلغ ذلك بعض أكابرهم ، فقال : لم فعلتم ما أرى ؟ قالوا : رمي بالنجوم فرأيناها تتهافت من السماء ، فقال : اصبروا فإن تكن نجوماً معروفة فهو وقت فناء الناس ، وإن كانت نجوماً لا تعرف فهو أمر قد حدث فنظروا ، فإذا هي لا تعرف ، فأخبروه فقال : في الأمر مهلة ، وهذا عند ظهور نبي فما مكثوا إلا يسيراً حتى قدم أبو سفيان على أمواله وأخبر أولئك الأقوام بأنه ظهر محمد بن عبدالله ويدعي أنه نبي مرسل ، وهؤلاء زعموا أن كتب الأوائل قد توالت عليها التحريفات فلعل المتأخرين ألحقوا هذه المسألة بها طعناً منهم في هذه المعجزة ، وكذا الأشعار المنسوبة إلى أهل الجاهلية لعلها مختلفة عليهم ومنحولة . المقام الثاني : وهو الأقرب إلى الصواب أن هذه الشهب كانت موجودة قبل المبعث إلا أنها زيدت بعد المبعث وجعلت أكمل وأقوى ، وهذا هو الذي يدل عليه لفظ القرآن لأنه قال : { فَوَجَدْنَـٰهَا مُلِئَتْ } [ الجن : 8 ] وهذا يدل على أن الحادث هو الملء والكثرة وكذلك قوله : { نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَـٰعِدَ } أي كنا نجد فيها بعض المقاعد خالية من الحرس والشهب والآن ملئت المقاعد كلها ، فعلى هذا الذي حمل الجن على الضرب في البلاد وطلب السبب ، إنما هو كثرة الرجم ومنع الاستراق بالكلية . النوع التاسع : قوله تعالى :