Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 73, Ayat: 9-9)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وفيه مسائل : المسألة الأولى : اعلم أن التبتل إليه لا يحصل إلا بعد حصول المحبة ، والمحبة لا تليق إلا بالله تعالى ، وذلك لأن سبب المحبة إما الكمال وإما التكميل ، أما الكمال فلأن الكمال محبوب لذاته إذ من المعلوم أنه يمتنع أن يكون كل شيء إنما كان محبوباً لأجل شيء آخر ، وإلا لزم التسلسل ، فإذاً لا بد من الانتهاء إلى ما يكون محبوباً لذاته ، والكمال محبوب لذاته ، فإن من اعتقد أن فلاناً الذي كان قبل هذا بألف سنة كان موصوفاً بعلم أزيد من علم سائر الناس مال طبعه إليه وأحبه شاء أم أبى ، ومن اعتقد في رستم أنه كان موصوفاً بشجاعة زائدة على شجاعة سائر الناس أحبه شاء أم أبى ، فعلمنا أن الكمال محبوب لذاته وكمال الكمال لله تعالى ، فالله تعالى محبوب لذاته ، فمن لم يحصل في قلبه محبته كان ذلك لعدم علمه بكماله ، وأما التكميل فهو أن الجواد محبوب والجواد المطلق هو الله تعالى فالمحبوب المطلق هو الله تعالى ، والتبتل المطلق لا يمكن أن يحصل إلا إلى الله تعالى ، لأن الكمال المطلق له والتكميل المطلق منه ، فوجب أن لا يكون التبتل المطلق إلا إليه ، واعلم أن التبتل الحاصل إليه بسبب كونه مبدأ للتكميل مقدم على التبتل الحاصل إليه بسبب كونه كاملاً في ذاته ، لأن الإنسان في مبدأ السير يكون طالباً للحصة فيكون تبتله إلى الله تعالى بسبب كونه مبدأ للتكميل والإحسان ، ثم في آخر السير يترقى عن طلب الحصة كما بينا من أنه يصير طالباً للمعروف لا للعرفان ، فيكون تبتله في هذه الحالة بسبب كونه كاملاً فقوله : { رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ } إشارة إلى الحالة الأولى التي هي أول درجات المتبتلين وقوله : { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } إشارة إلى الحالة الثانية التي هي منتهى درجات المتبتلين ومنتهى أقدام الصديقين ، فسبحان من له تحت كل كلمة سر مخفي ، ثم وراء هاتين الحالتين مقام آخر ، وهو مقام التفويض ، وهو أن يرفع الاختيار من البين ، ويفوض الأمر بالكلية إليه ، فإن أراد الحق به أن يجعله متبتلاً رضي بالتبتل لا من حيث إنه هو ، بل من حيث إنه مراد الحق ، وإن أراد به عدم التبتل رضي بعدم التبتل لا من حيث إنه عدم التبتيل ، بل من حيث إنه مراد الحق ، وههنا آخر الدرجات ، وقوله : { فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً } إشارة إلى هذه الحالة ، فهذا ما جرى به القلم في تفسير في هذه الآية ، وفي الزوايا خبايا ، ومن أسرار هذه الآية بقايا { وَلَوْ أَنَّمَا فِى ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَـٰتُ ٱللَّهِ } [ لقمان : 27 ] . المسألة الثانية : { رَبّ } فيه قراءتان إحداهما : الرفع ، وفيه وجهان : أحدهما : على المدح ، والتقدير هو رب المشرق ، فيكون خبر مبتدأ محذوف ، كقوله : { بِشَرّ مّن ذٰلِكُمُ ٱلنَّارُ } [ الحج : 72 ] وقوله : { مَتَـٰعٌ قَلِيلٌ } [ آل عمران : 197 ] أي تقلبهم متاع قليل والثاني : أن ترفعه بالابتداء ، وخبره الجملة التي هي ، { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } ، والعائد إليه الضمير المنفصل ، والقراءة الثانية : الخفض ، وفيها وجهان : الأول : على البدل { مِن رَبّكَ } [ المزمل : 8 ] والثاني : قال ابن عباس : على القسم بإضمار حرف القسم كقولك : الله لأفعلن وجوابه : { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } كما تقول والله لا أحد في الدار إلا زيد ، وقرأ ابن عباس { رَبّ ٱلْمَشَـٰرِقِ وَٱلْمَغَـٰرِبِ } . أما قوله : { فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً } فالمعنى أنه لما ثبت أنه لا إله إلا هو لزمك أن تتخذه وكيلاً وأن تفوض كل أمورك إليه ، وههنا مقام عظيم ، فإنه لما كانت معرفة أنه لا إله إلا هو توجب تفويض كل الأمور إليه دل هذا على أن من لا يفوض كل الأمور إليه ، فإنه غير عالم بحقيقة لا إله إلا هو ، وتقريره أن كل ما سواه ممكن ومحدث ، وكل ممكن ومحدث ، فإنه مالم ينته إلى الواجب لذاته لم يجب ، ولما كان الواجب لذاته واحداً كان جميع الممكنات مستندة إليه ، منتهية إليه وهذا هو المراد من قوله : { فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً } وقال بعضهم : { وَكِيلاً } أي كفيلاً بما وعدك من النصر والإظهار .