Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 74, Ayat: 6-6)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه مسائل : المسألة الأولى : القراءة المشهورة تستكثر برفع الراء وفيه ثلاثة أوجه أحدها : أن يكون التقدير ولا تمنن لتستكثر فتنزع اللام فيرتفع وثانيها : أن يكون التقدير لا تمنن أن تستكثر ثم تحذف أن الناصبة فتسلم الكلمة من الناصب والجازم فترتفع ويكون مجاز الكلام لا تعط لأن تستكثر وثالثها : أنه حال متوقعة أي لا تمنن مقدراً أن تستكثر قال أبو علي الفارسي : هو مثل قولك مررت برجل معه صقر صائداً به غدا أي مقدراً للصيد فكذا ههنا المعنى مقدراً الاستكثار ، قال : ويجوز أن يحكي به حالاً أتية ، إذا عرفت هذا فنقول ، ذكروا في تفسير الآية وجوهاً أحدها : أنه تعالى أمره قبل هذه الآية ، بأربعة أشياء : إنذار القوم ، وتكبير الرب ، وتطهير الثياب ، وهجر الرجز ، ثم قال : { وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } أي لا تمنن على ربك بهذه الأعمال الشاقة ، كالمستكثر لما تفعله ، بل اصبر على ذلك كله لوجه ربك متقرباً بذلك إليه غير ممتن به عليه . قال الحسن ، لا تمنن على ربك بحسناتك فتستكثرها وثانيها : لا تمنن على الناس بما تعلمهم من أمر الدين ، والوحي كالمستكثر لذلك الإنعام ، فإنك إنما فعلت ذلك بأمر الله ، فلا منة لك عليهم ، ولهذا قال : { وَلِرَبّكَ فَٱصْبِرْ } [ المدثر : 7 ] ، وثالثها : لا تمنن عليهم بنبوتك لتستكثر ، أي لتأخذ منهم على ذلك أجراً تستكثر به مالك ورابعها : لا تمنن أي لا تضعف من قولهم : حبل منين أي ضعيف ، يقال : منه السير أي أضعفة . والتقدير فلا تضعف أن تستكثر من هذه الطاعات الأربعة التي أمرت بها قبل هذه الآية ، ومن ذهب إلى هذا قال : هو مثل قوله : { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَأْمُرُونّى أَعْبُدُ } [ الزمر : 64 ] أي أن أعبد فحذفت أن وذكر الفراء أن في قراءة عبد الله ولا تمتن تستكثر وهذا يشهد لهذا التأويل ، وهذا القول اختيار مجاهد وخامسها : وهو قول أكثر المفسرين أن معنى قوله : { وَلاَ تَمْنُن } أي لا تعط يقال : مننت فلاناً كذا أي أعطيته ، قال : { هَـٰذَا عَطَاؤُنَا فَٱمْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ } [ ص : 39 ] أي فأعط ، أو أمسك وأصله أن من أعطى فقد من ، فسميت العطية بالمن على سبيل الاستعارة ، فالمعنى ولا تعط مالك لأجل أن تأخذ أكثر منه ، وعلى هذا التأويل سؤالات : السؤال الأول : ما الحكمة في أن الله تعالى منعه من هذا العمل ؟ الجواب : الحكمة فيه من وجوه الأول : لأجل أن تكون عطاياه لأجل الله لا لأجل طلب الدنيا ، فإنه نهى عن طلب الدنيا في قوله : { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } [ الحجر : 88 ] وذلك لأن طلب الدنيا لا بد وأن تكون الدنيا عنده عزيزة ، ومن كان كذلك لم يصلح لأداء الرسالة الثاني : أن من أعطى غيره القليل من الدنيا ليأخذ الكثير لا بد وأن يتواضع لذلك الغير ويتضرع له ، وذلك لا يليق بمنصب النبوة ، لأنه يوجب دناءة الآخذ ، ولهذا السبب حرمت الصدقات عليه ، وتنفير المأخوذ منه ، ولهذا قال : { أَمْ تَسْـئَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } [ الطور : 40 ] . السؤال الثاني : هذا النهي مختص بالرسول عليه الصلاة والسلام ، أم يتناول الأمة ؟ الجواب : ظاهر اللفظ لا يفيد العموم وقرينة الحال لا تقتضي العموم لأنه عليه الصلاة والسلام إنما نهى عن ذلك تنزيهاً لمنصب النبوة ، وهذا المعنى غير موجود في الأمة ، ومن الناس من قال هذا المعنى في حق الأمة هو الرياء ، والله تعالى منع الكل من ذلك . السؤال الثالث : بتقدير أن يكون هذا النهي مختصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم فهو نهي تحريم أو نهي تنزيه ؟ والجواب : ظاهر النهي للتحريم الوجه السادس : في تأويل الآية قال القفال : يحتمل أن يكون المقصد من الآية أن يحرم على النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطي لأحد شيئاً لطلب عوض سواء كان ذلك العوض زائداً أو ناقصاً أو مساوياً ، ويكون معنى قوله : { تَسْتَكْثِرُ } أي طالباً للكثرة كارهاً أن ينقص المال بسبب العطاء ، فيكون الاستكثار ههنا عبارة عن طلب العوض كيف كان ، وإنما حسنت هذه الاستعارة لأن الغالب أن الثواب يكون زائداً على العطاء ، فسمى طلب الثواب استكثاراً حملاً للشيء على أغلب أحواله ، وهذا كما أن الأغلب أن المرأة إنما تتزوج ولها ولد للحاجة إلى من يربي ولدها فسمي الولد ربيباً ، ثم اتسع الأمر فسمي ربيبا وإن كان حين تتزوج أمه كبيراً ، ومن ذهب إلى هذا القول قال : السبب فيه أن يصير عطاء النبي صلى الله عليه وسلم خالياً عن انتظار العوض والتفات الناس إليه ، فيكون ذلك خالصاً مخلصاً لوجه الله تعالى الوجه السابع : أن يكون المعنى ولا تمنن على الناس بما تنعم عليهم وتعطيهم استكثاراً منك لتلك العطية ، بل ينبغي أن تستقلها وتستحقرها وتكون كالمتعذر من ذلك المنعم عليه في ذلك الإنعام ، فإن الدنيا بأسرها قليلة ، فكيف ذلك القدر الذي هو قليل في غاية القلة بالنسبة إلى الدنيا ، وهذه الوجوه الثلاثة الأخيرة كالمرتبة فالوجه الأول : معناه كونه عليه الصلاة والسلام ممنوعاً من طلب الزيادة في العوض والوجه الثاني : معناه كونه ممنوعاً عن طلب مطلق العوض زائداً كان أو مساوياً أو ناقصاً والوجه الثالث : معناه أن يعطي وينسب نفسه إلى التقصير ويجعل نفسه تحت منة المنعم عليه حيث قبل منه ذلك الإنعام الوجه الثامن : معناه إذا أعطيت شيئاً فلا ينبغي أن تمن عليه بسبب أنك تستكثر تلك العطية ، فإن المن محبط لثواب العمل ، قال تعالى : { لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَـٰتِكُم بِٱلْمَنّ وَٱلأَذَىٰ كَٱلَّذِى يُنفِقُ مَالَهُ رئاء ٱلنَّاسِ } [ البقرة : 264 ] . المسألة الثانية : قرأ الحسن : { تَسْتَكْثِرُ } بالجزم وأكثر المحققين أبوا هذه القراءة ، ومنهم من قبلها وذكروا في صحتها ثلاثة أوجه : أحدها : كأنه قيل : لا تمنن لا تستكثر وثانيها : أن يكون أراد تستكثر فأسكن الراء لثقل الضمة مع كثرة الحركات ، كما حكاه أبو زيد في قوله تعالى : { بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } بإسكان اللام وثالثها : أن يعتبر حال الوقف ، وقرأ الأعمش : { تَسْتَكْثِرُ } بالنصب بإضمار أن كقوله : @ ألا أيهذا الزاجري احضر الوغى وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدى @@ ويؤيده قراءة ابن مسعود : ولا تمنن أن تستكثر .