Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 75, Ayat: 23-23)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن جمهور أهل السنة يتمسكون بهذه الآية في إثبات أن المؤمنين يرون الله تعالى يوم القيامة . أما المعتزلة فلهم ههنا مقامان أحدهما : بيان أن ظاهره لا يدل على رؤية الله تعالى والثاني : بيان التأويل . أما المقام الأول : فقالوا : النظر المقرون بحرف إلى ليس اسماً للرؤية ، بل لمقدمة الرؤية وهي تقليب الحدقة نحو المرئي التماس لرؤيته ، ونظر العين بالنسبة إلى الرؤية كنظر القلب بالنسبة إلى المعرفة ، وكالإصغاء بالنسبة إلى السماع ، فكما أن نظر القلب مقدمة للمعرفة ، والإصغاء مقدمة للسماع ، فكذا نظر العين مقدمة للرؤية ، قالوا : والذي يدل على أن النظر ليس اسماً للرؤية وجوه الأول : قوله تعالى : { وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } [ الأعراف : 198 ] أثبت النظر حال عدم الرؤية ، فدل على أن النظر غير الرؤية والثاني : أن النظر يوصف بما لا توصف به الرؤية ، يقال : نظر إليه نظراً شزراً ، ونظر غضبان ، ونظر راض ، وكل ذلك لأجل أن حركة الحدقة تدل على هذه الأحوال ، ولا توصف الرؤية بشيءمن ذلك ، فلا يقال : رآه شزراً ، ورآه رؤية غضبان ، أو رؤية راض الثالث : يقال : انظر إليه حتى تراه ، ونظرت إليه فرأيته ، وهذا يفيد كون الرؤية غاية للنظر ، وذلك يوجب الفرق بين النظر والرؤية الرابع : يقال : دور فلان متناظرة ، أي متقابلة ، فمسمى النظر حاصل ههنا ، ومسمى الرؤية غير حاصل الخامس : قوله الشاعر : @ @ وجوه ناظرات يوم بدر إلى الرحمن تنتظر الخلاصا @@ @@ أثبت النظر المقرون بحرف إلى مع أن الرؤية ما كانت حاصلة السادس : احتج أبو علي الفارسي على أن النظر ليس عبارة عن الرؤية ، التي هي إدراك البصر ، بل هو عبارة عن تقليب الحدقة نحو الجهة التي فيها الشيء الذي يراد رؤيته ، لقول الشاعر : @ فيامي هل يجزي بكائي بمثله مراراً وأنفاسي إليك الزوافر وأنى متى أشرف على الجانب الذي به أنت من بين الجوانب ناظراً @@ قال : فلو كان النظر عبارة عن الرؤية لما طلب الجزاء عليه ، لأن المحب لم يطلب الثواب على رؤية المحبوب ، فإن ذلك من أعظم مطالبه ، قال : ويدل على ذلك أيضاً قول الآخر : @ ونظرة ذي شجن وامق إذا ما الركائب جاوزن ميلا @@ والمراد منه تقليب الحدقة نحو الجانب الذي فيه المحبوب ، فعلمنا بهذه الوجوه أن النظر المقرون بحرف إلى ليس اسماً للرؤية السابع : أن قوله : { إِلَىٰ رَبّهَا نَاظِرَةٌ } معناه أنها تنظر إلى ربها خاصة ولا تنظر إلى غيره ، وهذا معنى تقديم المفعول ، ألا ترى إلى قوله : { إِلَىٰ رَبّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ } [ القيامة : 12 ] { إلى ربك يومئذ المساق } [ القيامة : 30 ] { أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ } [ الشورى : 53 ] { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [ البقرة : 8 ] { وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } [ آ ل عمران : 28 ] { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } [ الشورى : 10 ] كيف دل فيها التقديم على معنى الاختصاص ، ومعلوم أنهم ينظرون إلى أشياء لا يحيط بها الحصر ، ولا تدخل تحت العدد في موقف القيامة ، فإن المؤمنين نظارة ذلك اليوم لأنهم الآمنون الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون فلما دلت الآية على أن النظر ليس إلا إلى الله ، ودل العقل على أنهم يرون غير الله ، علمنا أن المراد من النظر إلى الله ليس هو الرؤية الثامن : قال تعالى : { وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } [ آل عمران : 77 ] ولو قال : لا يراهم كفى ، فلما نفى النظر ، ولم ينف الرؤية دل على المغايرة ، فثبت بهذه الوجوه ، أن النظر المذكور في هذه الآية ليس هو الرؤية . المقام الثاني : في بيان التأويل المفصل ، وهو من وجهين الأول : أن يكون الناظر بمعنى المنتظر ، أي أولئك الأقوام ينتظرون ثواب الله ، وهو كقول القائل ، إنما أنظر إلى فلان في حاجتي والمراد أنتظر نجاحها من جهته ، وقال تعالى : { فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ } [ النمل : 35 ] وقال : { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ } [ البقرة : 280 ] لا يقال : النظر المقرون بحرف إلى غير مستعمل في معنى الانتظار ، ولأن الانتظار غم وألم ، وهو لا يليق بأهل السعادة يوم القيامة ، لأنا نقول : الجواب : عن الأول من وجهين الأول : النظر المقرون بحرف إلى قد يستعمل بمعنى الانتظار ، والتوقع والدليل عليه أنه يقال : أنا إلى فلان ناظر ما يصنع بي ، والمراد منه التوقع والرجاء ، وقال الشاعر : @ وإذا نظرت إليك من ملك والبحر دونك زدتني نعما @@ وتحقيق الكلام فيه أن قولهم في الانتظار نظرت بغير صلة ، فإنما ذلك في الانتظار لمجيء الإنسان بنفسه ، فأما إذا كان منتظراً لرفده ومعونته ، فقد يقال فيه : نظرت إليه كقول الرجل ، وإنما نظري إلى الله ثم إليك ، وقد يقول ذلك من لا يبصر ، ويقول الأعمى في مثل هذا المعنى : عيني شاخصة إليك ، ثم إن سلمنا ذلك لكن لا نسلم إن المراد من { إلى } ههنا حرف التعدي . بل هو واحد الآلاء ، والمعنى : وجوه يومئذ ناضرة نعمة ربها منتظرة . وأما السؤال الثاني : وهو أن الانتظار غم وألم ، فجوابه أن المنتظر إذا كان فيما ينتظره على يقين من الوصول إليه ، فإنه يكون في أعظم اللذات . التأويل الثاني : أن يضمر المضاف ، والمعنى إلى ثواب ربها ناظرة ، قالوا : وإنما صرنا إلى هذا التأويل ، لأنه لما دلت الدلائل السمعية والعقلية على أنه تعالى تمتنع رؤيته وجب المصير إلى التأويل ، ولقائل أن يقول : فهذه الآية تدل أيضاً على أن النظر ليس عبارة عن تقليب الحدقة ، لأنه تعالى قال : لا ينظر إليهم وليس المراد أنه تعالى يقلب الحدقة إلى جهنم فإن قلتم : المراد أنه لا ينظر إليهم نظر الرحمة كان ذلك جوابنا عما قالوه . التأويل الثالث : أن يكون معنى : { إِلَىٰ رَبّهَا نَاظِرَةٌ } أنها لا تسأل ولا ترغب إلا إلى الله ، وهو المراد من قوله عليه الصلاة والسلام : " " اعبد الله كأنك تراه " " فأهل القيامة لشدة تضرعهم إليه وانقطاع أطماعهم عن غيره صاروا كأنهم ينظرون إليه الجواب : قوله : ليس النظر عبارة عن الرؤية ، قلنا : ههنا مقامان : الأول : أن تقيم الدلالة على أن النظر هو الرؤية من وجهين : الأول : ما حكى الله تعالى عن موسى عليه السلام وهو قوله : { أَنظُرْ إِلَيْكَ } [ الأعراف : 143 ] فلو كان النظر عبارة عن تقليب الحدقة إلى جانب المرئي ، لاقتضت الآية أن موسى عليه السلام أثبت لله تعالى وجهة ومكاناً وذلك محال الثاني : أنه جعل النظر أمراً مرتباً على الإرادة فيكون النظر متأخراً عن الإرادة ، وتقليب الحدقة غير متأخر عن الإرادة ، فوجب أن يكون النظر عبارة عن تقليب الحدقة إلى جانب المرئي . المقام الثاني : وهو الأقرب إلى الصواب ، سلمنا أن النظر عبارة عن تقليب الحدقة نحو المرئي التماساً لرؤيته ، لكنا نقول : لما تعذر حمله على حقيقته وجب حمله على مسببه وهو الرؤية ، إطلاقاً لاسم السبب على المسبب ، وحمله على الرؤية أولى من حمله على الانتظار ، لأن تقليب الحدقة كالسبب للرؤية ولا تعلق بينه وبين الانتظار ، فكان حمله على الرؤية أولى من حمله على الانتظار . أما قوله : النظر جاء بمعنى الانتظار ، قلنا : لنا في الجواب مقامان : الأول : أن النظر الوارد بمعنى الانتظار كثير في القرآن ، ولكنه لم يقرن ألبتة بحرف إلى كقوله تعالى : { ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } [ الحديد : 13 ] وقوله : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ } [ الأعراف : 53 ] { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ } [ البقرة : 210 ] والذي ندعيه أن النظر المقرون بحرف إلى المعدي إلى الوجوه ليس إلا بمعنى الرؤية أو بالمعنى الذي يستعقب الرؤية ظاهر ، فوجب أن لا يرد بمعنى الانتظار دفعاً للاشتراك . وأما قول الشاعر : وجوه ناظرات يوم بدر إلى الرحمن تنتظر الخلاصا قلنا : هذا الشعر موضوع والرواية الصحيحة : @ وجوه ناظرات يوم بكر إلى الرحمن تنتظر الخلاصا @@ والمراد من هذا الرحمن مسيلمة الكذاب ، لأنهم كانوا يسمونه رحمن اليمامة ، فأصحابه كانوا ينظرون إليه ويتوقعون منه التخلص من الأعداء ، وأما قول الشاعر : @ وإذا نظـرت إليـك مـن مـلك @@ فالجواب : أن قوله : وإذا نظرت إليك ، لا يمكن أن يكون المراد منه الانتظار ، لأن مجرد الانتظار لا يستعقب العطية بل المراد من قوله : وإذا نظرت إليك ، وإذا سألتك لأن النظر إلى الإنسان مقدمة المكالمة فجاز التعبير عنه به ، وقوله : كلمة إلى ههنا ليس المراد منه حرف التعدي بل واحد الآلاء ، قلنا : إن إلى على هذا القول تكون اسماً للماهية التي يصدق عليه أنها نعمة ، فعلى هذا يكفي في تحقق مسمى هذه اللفظة أي جزء فرض من أجزاء النعمة ، وإن كان في غاية القلة والحقارة ، وأهل الثواب يكونون في جميع مواقف القيامة في النعم العظيمة المتكاملة ، ومن كان حاله كذلك كيف يمكن أن يبشر بأنه يكون في توقع الشيء الذي ينطلق عليه اسم النعمة ، ومثال هذا أن يبشر سلطان الأرض بأنه سيصير حالك في العظمة والقوة بعد سنة ، بحيث تكون متوقعاً لحصول اللقمة الواحدة من الخبز والقطرة الواحدة من الماء ، وكما أن ذلك فاسد من القول : فكذا هذا . المقام الثاني : هب أن النظر المعدي بحرف إلى المقرون بالوجوه جاء في اللغة بمعنى الانتظار لكن لا يمكن حمل هذه الآية عليه ، لأن لذة الانتظار مع يقين الوقوع كانت حاصلة في الدنيا ، فلا بد وأن يحصل في الآخرة شيء أزيد منه حتى يحسن ذكره في معرض الترغيب في الآخرة ، ولا يجوز أن يكون ذلك هو قرب الحصول ، لأن ذلك معلوم بالعقل فبطل ما ذكروه من التأويل . وأما التأويل الثاني : وهو أن المراد إلى ثواب ربها ناظرة ، فهذا ترك للظاهر ، وقوله : إنما صرنا إليه لقيام الدلائل العقلية والنقلية على أن الله لا يرى ، قلنا : بينا في الكتب العقلية ضعف تلك الوجوه ، فلا حاجة ههنا إلى ذكرها ، والله أعلم .