Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 75, Ayat: 7-10)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وفيه مسألتان : المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى ذكر من علامات القيامة في هذا الموضع أموراً ثلاثة أولها : قوله : { فَإِذَا بَرِقَ ٱلْبَصَرُ } قرىء بكسر الراء وفتحها ، قال الأخفش : المكسورة في كلامهم أكثر والمفتوحة لغة أيضاً ، قال الزجاج : برق بصره بكسر الراء يبرق برقاً إذا تحير ، والأصل فيه أن يكثر الإنسان من النظر إلى لمعان البرق ، فيؤثر ذلك في ناظره ، ثم يستعمل ذلك في كل حيرة ، وإن لم يكن هناك نظر إلى البرق ، كما قالوا : قمر بصره إذا فسد من النظر إلى القمر ، ثم استعير في الحيرة ، وكذلك بعل الرجل في أمره ، أي تحير ودهش ، وأصله من قولهم : بعلت المرأة إذا فاجأها زوجها ، فنظرت إليه وتحيرت ، وأما برق بفتح الراء ، فهو من البريق ، أي لمع من شدة شخوصه ، وقرأ أبو السمال بلق بمعنى انفتح ، وانفتح يقال : بلق الباب وأبلقته وبلقته فتحته . المسألة الثانية : اختلفوا في أن هذه الحالة متى تحصل ؟ فقيل : عند الموت ، وقيل : عند البعث وقيل : عند رؤية جهنم ، فمن قال : إن هذا يكون عند الموت ، قال : إن البصر يبرق على معنى يشخص عند معاينة أسباب الموت ، والملائكة كما يوجد ذلك في كل واحد إذا قرب موته ، ومن مال إلى هذا التأويل ، قال : إنهم إنما سألوه عن يوم القيامة ، لكنه تعالى ذكر هذه الحادثة عند الموت والسبب فيه من وجهين : الأول : أن المنكر لما قال : { أَيَّانَ يَوْمُ ٱلْقِيَـٰمَةِ } [ القيامة : 6 ] على سبيل الاستهزاء فقيل له : إذا برق البصر وقرب الموت زالت عنه الشكوك ، وتيقن حينئذ أن الذي كان عليه من إنكار البعث والقيامة خطأ الثاني : أنه إذا قرب موته وبرق بصره تيقن أن إنكار البعث لأجل طلب اللذات الدنيوية كان باطلاً ، وأما من قال بأن ذلك إنما يكون عند قيام القيامة ، قال : لأن السؤال إنما كان عن يوم القيامة ، فوجب أن يقع الجواب بما يكون من خواصه وآثاره ، قال تعالى : { إِنَّمَا يُؤَخّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَـٰرُ } [ إبراهيم : 41 ] ، وثانيها : قوله : { وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ } وفيه مسألتان : المسألة الأولى : يحتمل أن يكون المراد من خسوف القمر ذهاب ضوئه كما نعقله من حاله إذا خسف في الدنيا ، ويحتمل أن يكون المراد ذهابه بنفسه كقوله : { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ } [ القصص : 81 ] . المسألة الثانية : قرىء : { وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ } على البناء للمفعول وثالثها : قوله : { وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ } وفيه مسائل : المسألة الأولى : ذكروا في كيفية الجمع وجوهاً أحدها : أنه تعالى قال : { لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِى لَهَا أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ } [ يس : 40 ] فإذا جاء وقت القيامة أدرك كل واحد منهما صاحبه واجتمعا وثانيها : جمعا في ذهاب الضوء ، فهو كما يقال : الشافعي يجمع ما بين كذا وكذا في حكم كذا وثالثها : يجمعان أسودين مكورين كأنهما ثوران عقيران في النار ، وقيل : يجمعان ثم يقذفان في البحر ، فهناك نار الله الكبرى واعلم أن هذه الوجوه التي ذكرناها في قوله ، وخسف القمر ، وجمع الشمس والقمر إنما تستقيم على مذهب من يجعل برق البصر من علامات القيامة ، فأما من يجعل برق البصر من علامات الموت قال معنى : { وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ } أي ذهب ضوء البصر عند الموت ، يقال عين خاسفة ، إذا فقئت حتى غابت حدقتها في الرأس ، وأصلها من خسفت الأرض إذا ساخت بما عليها ، وقوله : { وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ } كناية عن ذهاب الروح إلى عالم الآخرة ، كأن الآخرة كالشمس ، فإنه يظهر فيها المغيبات وتتضح فيها المبهمات ، والروح كالقمر فإنه كما أن القمر يقبل النور من الشمس ، فكذا الروح تقبل نور المعارف من عالم الآخرة ، ولا شك أن تفسير هذه الآيات بعلامات القيامة أولى من تفسيرها بعلامات الموت وأشد مطابقة لها . المسألة الثانية : قال الفراء : إنما قال جمع ، ولم يقل : جمعت لأن المراد أنه جمع بينهما في زوال النور وذهاب الضوء ، وقال الكسائي ، المعنى جمع النوران أو الضياءان ، وقال أبو عبيدة ، القمر شارك الشمس في الجمع ، وهو مذكر ، فلا جرم غلب جانب التذكير في اللفظ ، قال الفراء ، قلت : لمن نصر هذا القول : كيف تقولون : الشمس جمع والقمر ؟ فقالوا : جمعت ، فقلت ما الفرق بين الموضعين ؟ فرجع عن هذا القول . المسألة الثالثة : طعنت الملاحدة في الآية ، وقالوا : خسوف القمر لا يحصل حال اجتماع الشمس والقمر والجواب : الله تعالى قادر على أن يجعل القمر منخسفاً ، سواء كانت الأرض متوسطة بينه وبين الشمس ، أو لم تكن ، والدليل عليه أن الأجسام متماثلة ، فيصح على كل واحد منها ما يصح على الآخر ، والله قادر على كل الممكنات ، فوجب أن يقدر على إزالة الضوء عن القمر في جميع الأحوال . قوله تعالى : { يَقُولُ ٱلإِنسَـٰنُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ } أي يقول هذا الإنسان المنكر للقيامة إذا عاين هذه الأحوال أين المفر ، والقراءة المشهورة بفتح الفاء ، وقرىء أيضاً بكسر الفاء ، والمفر بفتح الفاء هو الفرار ، قال الأخفش والزجاج : المصدر من فعل يفعل مفتوح العين . وهو قول جمهور أهل اللغة ، والمعنى أين الفرار ، وقول القائل : أين الفرار يحتمل معنيين أحدهما : أنه لا يرى علامات مكنة الفرار فيقول حينئذ : أين الفرار ، كما إذا أيس من وجدان زيد يقول : أين زيد والثاني : أن يكون المعنى إلى أين الفرار ، وأما المفر بكسر الفاء فهو الموضع ، فزعم بعض أهل اللغة أن المفر بفتح الفاء كما يكون اسماً للمصدر ، فقد يكون أيضاً اسماً للموضع والمفر بكسر الفاء كما يكون اسماً للموضع ، فقد يكون مصدراً ونظيره المرجع .