Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 76, Ayat: 29-30)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

واعلم أنه تعالى لما شرح أحوال السعداء وأحوال الأشقياء قال بعده : { إِنَّ هَـٰذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبّهِ سَبِيلاً وَمَا تَشَاءونَ إِلاَّ أَن يَشَاء ٱللَّهُ } والمعنى أن هذه السورة بما فيها من الترتيب العجيب والنسق البعيد والوعد والوعيد والترغيب والترهيب ، تذكرة للمتأملين وتبصرة للمستبصرين ، فمن شاء الخيرة لنفسه في الدنيا والآخرة اتخذ إلى ربه سبيلاً . واتخاذ السبيل إلى الله عبارة عن التقرب إليه ، واعلم أن هذه الآية من جملة الآيات التي تلاطمت فيها أمواج الجبر والقدر ، فالقدري يتمسك بقوله تعالى : { فَمَن شَاء ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبّهِ سَبِيلاً } ويقول : إنه صريح مذهبي ونظيره : { فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ } [ الكهف : 29 ] والجبري يقول : متى ضمت هذه الآية إلى الآية التي بعدها خرج منه صريح مذهب الجبر ، وذلك لأن قوله : { فَمَن شَاء ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبّهِ سَبِيلاً } يقتضي أن تكون مشيئة العبد متى كانت خالصة فإنها تكون مستلزمة للفعل ، وقوله بعد ذلك : { وَمَا تَشَاءونَ إِلاَّ أَن يَشَاء ٱللَّهُ } يقتضي أن مشيئة الله تعالى مستلزمة لمشيئة العبد ومستلزم المستلزم مستلزم ، فإذا مشيئة الله مستلزمة لفعل العبد ، وذلك هو الجبر ، وهكذا الاستدلال على الجبر بقوله : { فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ } لأن هذه الآية أيضاً تقتضي كون المشيئة مستلزمة للفعل ثم التقرير ما تقدم . واعلم أن الاستدلال على هذا الوجه الذي لخصناه لا يتوجه عليه كلام القاضي إلا أنا نذكره وننبه على ما فيه من الضعف ، قال القاضي : المذكور في هذه الآية اتخاذ السبيل إلى الله ، ونحن نسلم أن الله قد شاءه لأنه تعالى قد أمر به ، فلا بد وأن يكون قد شاءه . وهذا لا يقتضي أن يقال العبد : لا يشاء إلا ما قد شاءه الله على الإطلاق ، إذ المراد بذلك الأمر المخصوص الذي قد ثبت أنه تعالى قد أراده وشاءه . واعلم أن هذا الكلام الذي ذكره القاضي لا تعلق له بالاستدلال على الوجه الذي ذكرناه ، وأيضاً فحاصل ما ذكره القاضي تخصيص هذا العام بالصورة التي مر ذكرها فيما قبل هذه الآية ، وذلك ضعيف ، لأن خصوص ما قبل الآية لا يقتضي تخصيص هذا العام به . لاحتمال أن يكون الحكم في هذه الآية وارداً بحيث يعم تلك الصورة وسائر الصور ، بقي في الآية سؤال يتعلق بالإعراب ، وهو أن يقال : ما محل { أن يشاء الله } ؟ وجوابه النصب على الظرف ، وأصله إلا وقت مشيئة الله ، وكذلك قراءة ابن مسعود : « إلا ما شاء الله » لأن ما مع الفعل كأن معه ، وقرىء أيضاً يشاءون بالياء . ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } أي عليماً بأحوالهم وما يكون منهم حيث خلقهم مع علمه بهم . ثم ختم السورة فقال :