Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 76, Ayat: 4-5)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَـٰفِرِينَ سَلَـٰسِلَ وَأَغْلَـٰلاً وَسَعِيراً } . اعلم أنه تعالى لما ذكر الفريقين أتبعهما بالوعيد والوعد ، وفيه مسائل : المسألة الأولى : الاعتداد هو إعداد الشيء حتى يكون عتيداً حاضراً متى احتيج إليه ، كقوله تعالى : { هَـٰذَا مَا لَدَىَّ عَتِيدٌ } [ ق : 23 ] وأما السلاسل فتشد بها أرجلهم ، وأما الأغلال فتشد بها أيديهم إلى رقابهم ، وأما السعير فهو النار التي تسعر عليهم فتوقد فيكونون حطباً لها ، وهذا من أغلظ أنواع الترهيب والتخويف . المسألة الثانية : احتج أصحابنا بهذه الآية على أن الجحيم بسلاسلها وأغلالها مخلوقة ، لأن قوله تعالى : { أَعْتَدْنَا } إخبار عن الماضي ، قال القاضي : إنه لما توعد بذلك على التحقيق صار كأنه موجود ، قلنا : هذا الذي ذكرتم ترك للظاهر فلا يصار إليه إلا لضرورة . المسألة الثالثة : قرىء سلاسلاً بالتنوين ، وكذلك { قَوَارِيرَاً * قَوَارِيرَاً } [ الإنسان : 15 ، 16 ] ومنهم من يصل بغير تنوين ، ويقف بالألف فلمن نون وصرف وجهان أحدهما : أن الأخفش قال : قد سمعنا من العرب صرف جميع مالا ينصرف ، قال : وهذا لغة الشعراء لأنهم اضطروا إليه في الشعر فصرفوه ، فجرت ألسنتهم على ذلك الثاني : أن هذه الجموع أشبهت الآحاد ، لأنهم قالوا صواحبات يوسف ، فلما جمعوه جمع الآحاد المنصرفة جعلوها في حكمها فصرفوها ، وأما من ترك الصرف فإنه جعله كقوله : { لَّهُدّمَتْ صَوٰمِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوٰتٌ وَمَسَـٰجِدُ } [ الحج : 40 ] وأما إلحاق الألف في الوقف فهو كإلحاقها في قوله : { ٱلظُّنُونَاْ } [ الأحزاب : 10 ] و { الرسولا } [ الأحزاب : 66 ] و { السبيلا } [ الأحزاب : 67 ] فيشبه ذلك بالإطلاق في القوافي . ثم إنه تعالى ذكر ما أعد للشاكرين الموحدين فقال : { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَـٰفُوراً } الأبرار جمع بر ، كالأرباب جمع رب ، والقول في حقيقة البر قد تقدم في تفسير قوله تعالى : { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ ءامَنَ بِٱللَّهِ } [ البقرة : 177 ] ثم ذكر من أنواع نعيمهم صفة مشروبهم ، فقال : { يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ } يعني من إناء فيه الشراب ، ولهذا قال ابن عباس ومقاتل : يريد الخمر ، وفي الآية سؤالان : السؤال الأول : أن مزج الكافور بالمشروب لا يكون لذيذاً ، فما السبب في ذكره ههنا ؟ الجواب : من وجوه أحدها : أن الكافور اسم عين في الجنة ماؤها في بياض الكافور ورائحته وبرده ، ولكن لا يكون فيه طعمه ولا مضرته ، فالمعنى أن ذلك الشراب يكون ممزوجاً بماء هذه العين وثانيها : أن رائحة الكافور عرض فلا يكون إلا في جسم ، فإذا خلق الله تلك الرائحة في جرم ذلك الشراب سمي ذلك الجسم كافوراً ، وإن كان طعمه طيباً وثالثها : أي بأس في أن يخلق الله تعالى الكافور في الجنة لكن من طعم طيب لذيذ ، ويسلب عنه ما فيه من المضرة ؟ ثم إنه تعالى يمزجه بذلك المشروب ، كما أنه تعالى سلب عن جميع المأكولات والمشروبات ما معها في الدنيا من المضار . السؤال الثاني : ما فائدة كان في قوله : { كَانَ مِزَاجُهَا كَـٰفُوراً } ؟ الجواب : منهم من قال : إنها زائدة ، والتقدير من كأس مزاجها كافوراً ، وقيل : بل المعنى كان مزاجها في علم الله ، وحكمه كافورا .