Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 76, Ayat: 7-7)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فالأول قوله تعالى : { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ } وفيه مسائل : المسألة الأولى : الإيفاء بالشيء هو الإتيان به وافياً ، أما النذر فقال أبو مسلم : النذر كالوعد ، إلا أنه إذا كان من العباد فهو نذر ، وإن كان من الله تعالى فهو وعد ، واختص هذا اللفظ في عرف الشرع بأن يقول لله عليَّ كذا وكذا من الصدقة ، أو يعلق ذلك بأمر يلتمسه من الله تعالى مثل أن يقول : إن شفى الله مريضي ، أو رد غائبي فعليَّ كذا كذا ، واختلفوا فيما إذا علق ذلك بما ليس من وجوه البر ، كما إذا قال : إن دخل فلان الدار فعليَّ كذا ، فمن الناس من جعله كاليمين ، ومنهم من جعله من باب النذر ، إذا عرفت هذا ، فنقول للمفسرين في تفسير الآية أقوال : أولها : أن المراد من النذر هو النذر فقط ، ثم قال الأصم : هذا مبالغة في وصفهم بالتوفر على أداء الواجبات . لأن من وفى بما أوجبه هو على نفسه كان بما أوجبه الله عليه أوفى ، وهذا التفسير في غاية الحسن وثانيها : المراد بالنذر ههنا كل ما وجب عليه سواء وجب بإيجاب الله تعالى ابتداء أو بأن أوجبه المكلف على نفسه فيدخل فيه الإيمان وجميع الطاعات ، وذلك لأن النذر معناه الإيجاب وثالثها : قال الكلبي : المراد من النذر العهد والعقد ، ونظيره قوله تعالى : { أَوْفُواْ بِعَهْدِى أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } [ البقرة : 40 ] فسمى فرائضه عهداً ، وقال : { أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } [ المائدة : 1 ] سماها عقوداً لأنهم عقدوها على أنفسهم باعتقادهم الإيمان . المسألة الثانية : هذه الآية دالة على وجوب الوفاء بالنذر ، لأنه تعالى عقبه بيخافون يوماً وهذا يقتضي أنهم إنما وفوا بالنذر خوفاً من شر ذلك اليوم ، والخوف من شر ذلك اليوم لا يتحقق إلا إذا كان الوفاء به واجباً ، وتأكد هذا بقوله تعالى : { وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلإِيْمَـٰنَ } بعد توكيدها [ النحل : 91 ] وبقوله : { ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ } [ الحج : 29 ] فيحتمل ليوفوا أعمال نسكهم التي ألزموها أنفسهم . المسألة الثالثة : قال الفراء : وجماعة من أرباب المعاني . كان في قوله : { كَانَ مِزَاجُهَا كَـٰفُوراً } [ الإنسان : 5 ] زائدة وأما ههنا فكان محذوفة ، والتقدير كانوا يوفون بالنذر . ولقائل أن يقول : إنا بينا أن كان في قوله : { كَانَ مِزَاجُهَا } [ الإنسان : 5 ] ليست بزائدة ، وأما في هذه الآية فلا حاجة إلى إضمارها ، وذلك لأنه تعالى ذكر في الدنيا أن الأبرار يشربون أي سيشربون ، فإن لفظ المضارع مشترك بين الحال والاستقبال ، ثم قال : السبب في ذلك الثواب الذي سيجدونه أنهم الآن يوفون بالنذر . النوع الثاني : من أعمال الأبرار التي حكاها الله تعالى عنهم قوله تعالى : { وَيَخَـٰفُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } . واعلم أن تمام الطاعة لا يحصل إلا إذا كانت النية مقرونة بالعمل ، فلما حكى عنهم العمل وهو قوله : { يُوفُونَ } حكى عنهم النية وهو قوله : { وَيَخَـٰفُونَ يَوْماً } وتحقيقه قوله عليه السلام : " " إنما الأعمال بالنيات " " وبمجموع هذين الأمرين سماهم الله تعالى بالأبرار وفي الآية سؤالات : السؤال الأول : أحوال القيامة وأهوالها كلها فعل الله ، وكل ما كان فعلاً لله فهو يكون حكمة وصواباً ، وما كان كذلك لا يكون شراً ، فكيف وصفها الله تعالى بأنها شر ؟ الجواب : أنها إنما سميت شراً لكونها مضرة بمن تنزل عليه وصعبة عليه ، كما تسمى الأمراض وسائر الأمور المكروهة شروراً . السؤال الثاني : ما معنى المستطير ؟ الجواب : فيه وجهان أحدهما : الذي يكون فاشياً منتشراً بالغاً أقصى المبالغ ، وهو من قولهم : استطار الحريق ، واستطار الفجر وهو من طار بمنزلة استنفر من نفر ، فإن قيل : كيف يمكن أن يقال : شر ذلك اليوم مستطير منتشر ، مع أنه تعالى قال في صفة أوليائه : { لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ } [ الأنبياء : 103 ] ، قلنا : الجواب من وجهين الأول : أن هول القيامة شديد ، ألا ترى أن السموات تنشق وتنفطر وتصير كالمهل ، وتتناثر الكواكب ، وتتكور الشمس والقمر ، وتفرغ الملائكة ، وتبدل الأرض غير الأرض ، وتنسف الجبال ، وتسجر البحار وهذا الهول عام يصل إلى كل المكلفين على ما قال تعالى : { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ } [ الحج : 2 ] وقال : { يَوْماً يَجْعَلُ ٱلْوِلْدٰنَ شِيباً } [ المزمل : 17 ] إلا أنه تعالى بفضله يؤمن أولياءه من ذلك الفزع والجواب الثاني : أن يكون المراد أن شر ذلك اليوم يكون مستطيراً في العصاة والفجار . وأما المؤمنون فهم آمنون ، كما قال : { لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ } [ الأنبياء : 103 ] { لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } [ الزخرف : 68 ] { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ } [ فاطر : 44 ] إلا أن أهل العقاب في غاية الكثرة بالنسبة إلى أهل الثواب ، فأجرى الغالب مجرى الكل على سبيل المجاز . القول الثاني : في تفسير المستطير أنه الذي يكون سريع الوصول إلى أهله ، وكأن هذا القائل ذهب إلى أن الطيران إسراع . السؤال الثالث : لم قال : { كان شره مستطيراً } ، ولم يقل : وسيكون شره مستطيراً ؟ الجواب : اللفظ وإن كان للماضي ، إلا أنه بمعنى المستقبل ، وهو كقوله : { وَكَانَ عَهْدُ ٱللَّهِ مسؤلا } [ الأحزاب : 15 ] ويحتمل أن يكون المراد إنه كان شره مستطيراً في علم الله وفي حكمته ، كأنه تعالى يعتذر ويقول : إيصال هذا الضرر إنما كان لأن الحكمة تقتضيه ، وذلك لأن نظام العالم لا يحصل إلا بالوعد والوعيد ، وهما يوجبان الوفاء به ، لاستحالة الكذب في كلامي ، فكأنه تعالى يقول : كان ذلك في الحكمة لازماً ، فلهذا السبب فعلته . النوع الثالث : من أعمال الأبرار قوله تعالى :