Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 77, Ayat: 1-6)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

في الآية مسائل : المسألة الأولى : اعلم أن هذه الكلمات الخمس إما أن يكون المراد منها جنساً واحداً أو أجناساً مختلفة أما الاحتمال الأول : فذكروا فيه وجوهاً الأول : أن المراد منها بأسرها الملائكة فالمرسلات هم الملائكة الذين أرسلهم الله إما بإيصال النعمة إلى قوم أو لإيصال النقمة إلى آخرين ، وقوله : { عُرْفاً } فيه وجوه : أحدها : متتابعة كشعر العرف يقال : جاؤا عرفاً واحداً وهم عليه كعرف الضبع إذا تألبوا عليه والثاني : أن يكون بمعنى العرف الذي هو نقيض النكرة فإن هؤلاء الملائكة إن كانوا بعثوا للرحمة ، فهذا المعنى فيهم ظاهر وإن كانوا لأجل العذاب فذلك العذاب ، وإن لم يكن معروفاً للكفار ، فإنه معروف للأنبياء والمؤمنين الذين انتقم الله لهم منهم . والثالث : أن يكون مصدراً كأنه قيل : والمرسلات أرسالاً أي متتابعة وانتصاب عرفاً على الوجه الأول على الحال ، وعلى الثاني لكونه مفعولاً أي أرسلت للإحسان والمعروف وقوله : { فَٱلْعَـٰصِفَـٰتِ عَصْفاً } فيه وجهان الأول : يعني أن الله تعالى لما أرسل أولئك الملائكة فهم عصفوا في طيرانهم كما تعصف الرياح . والثاني : أن هؤلاء الملائكة يعصفون بروح الكافر يقال : عصف بالشيء إذا أباده وأهلكه ، يقال : ناقة عصوف ، أي تعصف براكبها فتمضي كأنها ريح في السرعة ، وعصفت الحرب بالقوم ، أي ذهبت بهم ، قال الشاعر : @ في فيلق شهباء ملمومة تعصف بالمقبل والمدبر @@ وقوله تعالى : { وٱلنَّـٰشِرٰتِ نَشْراً } معناه أنهم نشروا أجنحتهم عند انحطاطهم إلى الأرض ، أو نشروا الشرائع في الأرض ، أو نشروا الرحمة أو العذاب ، أو المراد الملائكة الذين ينشرون الكتب يوم الحساب ، وهي الكتب التي فيها أعمال بني آدم ، قال تعالى : { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ كِتَابًا يَلْقَـٰهُ مَنْشُوراً } [ الإسراء : 13 ] وبالجملة فقد نشروا الشيء الذي أمروا بإيصاله إلى أهل الأرض ونشره فيهم وقوله تعالى : { فَٱلْفَـٰرِقَـٰتِ فَرْقاً } معناه أنهم يفرقون بين الحق والباطل ، وقوله : { فَٱلْمُلْقِيَـٰتِ ذِكْراً } معناه أنهم يلقون الذكر إلى الأنبياء ، ثم المراد من الذكر يحتمل أن يكون مطلق العلم والحكمة ، كما قال : { يُنَزّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآء مِنْ عِبَادِهِ } [ النحل : 2 ] ويحتمل أن يكون المراد هو القرآن خاصة ، وهو قوله : { أألقي الذّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا } [ القمر : 25 ] وقوله : { وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَىٰ إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبُ } [ القصص : 86 ] وهذا الملقى وإن كان هو جبريل عليه السلام وحده ، إلا أنه يجوز أن يسمى الواحد باسم الجماعة على سبيل التعظيم . واعلم أنك قد عرفت أن المقصود من القسم التنبيه على جلالة المقسم به ، وشرف الملائكة وعلو رتبتهم أمر ظاهر من وجوه أحدها : شدة مواظبتهم على طاعة الله تعالى ، كما قال تعالى : { وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [ النحل : 50 ] { لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } [ الأنبياء : 27 ] وثانيها : أنهم أقسام : فمنهم من يرسل لإنزال الوحي على الأنبياء ، ومنهم من يرسل للزوم بني آدم لكتابة أعمالهم طائفة منهم بالنهار وطائفة منهم بالليل ، ومنهم من يرسل لقبض أرواح بني آدم ، ومنهم من يرسل بالوحي من سماء إلى أخرى ، إلى أن ينزل بذلك الوحي ملك السماء إلى الأرض ، ومنهم الملائكة الذين ينزلون كل يوم من البيت المعمور إلى الكعبة على ما روي ذلك في الإخبار ، فهذا مما ينتظمه قوله : { وَٱلْمُرْسَلَـٰتِ عُرْفاً } ثم ما فيها من سرعة السير ، وقطع المسافات الكثيرة في المدة اليسيرة ، كقوله : { تَعْرُجُ ٱلْمَلَـئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } [ المعارج : 4 ] ثم ما فيها من نشر أجنحتهم العظيمة عند الطيران ، ونشر العلم والحكمة والنبوة والهداية والإرشاد والوحي والتنزيل ، وإظهار الفرق بين الحق والباطل بسبب إنزال ذلك الوحي والتنزيل ، وإلقاء الذكر في القلب واللسان بسبب ذلك الوحي ، وبالجملة فالملائكة هم الوسائط بين الله تعالى ، وبين عباده في الفوز بجميع السعادات العاجلة والآجلة والخيرات الجسمانية والروحانية ، فلذلك أقسم الله بهم . القول الثاني : أن المراد من هذه الكلمات الخمس بأسرها الرياح ، أقسم الله برياح عذاب أرسلها عرفاً ، أي متتابعة كشعر العرف ، كما قال : { يُرْسِلُ ٱلرّيَاحَ } [ الروم : 46 ] { وَأَرْسَلْنَا ٱلرّيَاحَ } [ الحجر : 22 ] ثم إنها تشتد حتى تصير عواصف ورياح رحمة نشرت السحاب في الجو ، كما قال : { وَهُوَ ٱلَّذِى يُرْسِلُ ٱلرّيَاحَ بُشْرًاَ بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ } [ النمل : 63 ] وقال : { ٱللَّهُ ٱلَّذِى يُرْسِلُ ٱلرّيَـٰحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِى ٱلسَّمَاء } [ الروم : 48 ] ويجوز أيضاً أن يقال : الرياح تعين النبات والزرع والشجر على النشور والإنبات ، وذلك لأنها تلقح فيبرز النبات بذلك ، على ما قال تعالى : { وَأَرْسَلْنَا ٱلرّيَاحَ لَوَاقِحَ } [ الحجر : 22 ] فبهذا الطريق تكون الرياح ناشرة للنبات وفي كون الرياح فارقة وجوه أحدها : أن الرياح تفرق بعض أجزاء السحاب عن بعض وثانيها : أن الله تعالى خرب بعض القرى بتسليط الرياح عليها ، كما قال : { وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ } [ الحاقة : 6 ] وذلك سبب لظهور الفرق بين أولياء الله وأعداء الله وثالثها : أن عند حدوث الرياح المختلفة ، وترتيب الآثار العجيبة عليها من تموج السحاب وتخريب الديار تصير الخلق مضطرين إلى الرجوع إلى الله والتضرع على باب رحمته ، فيحصل الفرق بين المقر والمنكر والموحد والملحد ، وقوله : { فَٱلْمُلْقِيَـٰتِ ذِكْراً } معناه أن العاقل إذا شاهد هبوب الرياح التي تقلع القلاع ، وتهدم الصخور والجبال ، وترفع الأمواج تمسك بذكر الله والتجأ إلى إعانة الله ، فصارت تلك الرياح كأنها ألقت الذكر والإيمان والعبودية في القلب ، ولا شك أن هذه الإضافة تكون على سبيل المجاز من حيث إن الذكر حصل عند حدوث هذه . القول الثالث : من الناس من حمل بعض هذه الكلمات الخمسة على القرآن ، وعندي أنه يمكن حمل جميعها على القرآن ، فقوله : { وَٱلْمُرْسَلَـٰتِ } المراد منها الآيات المتتابعة المرسلة على لسان جبريل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، وقوله : { عُرْفاً } أي نزلت هذه الآيات بكل عرف وخير وكيف لا وهي الهادية إلى سبيل النجاة والموصلة إلى مجامع الخيرات { فَٱلْعَـٰصِفَـٰتِ عَصْفاً } فالمراد أن دولة الإسلام والقرآن كانت ضعيفة في الأول ، ثم عظمت وقهرت سائر الملل والأديان ، فكأن دولة القرآن عصفت بسائر الدول والملل والأديان وقهرتها ، وجعلتها باطلة دائرة ، وقوله : { وٱلنَّـٰشِرٰتِ نَشْراً } المراد أن آيات القرآن نشرت آثار الحكمة والهداية في قلوب العالمين شرقاً وغرباً ، وقوله : { فَٱلْفَـٰرِقَـٰتِ فَرْقاً } فذلك ظاهر ، لأن آيات القرآن هي التي تفرق بين الحق والباطل ، ولذلك سمي الله تعالى القرآن فرقاناً ، وقوله : { فَٱلْمُلْقِيَـٰتِ ذِكْراً } فالأمر فيه ظاهر ، لأن القرآن ذكر ، كما قال تعالى : { ص وَٱلْقُرْءانِ ذِى ٱلذّكْرِ } [ صۤ : 1 ] { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [ الزخرف : 44 ] { وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ } [ الأنبياء : 50 ] وتذكرة كما قال : { وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لّلْمُتَّقِينَ } [ الحاقة : 48 ] وذكرى كما قال : { ذِكْرَىٰ لِلْعَـٰلَمِينَ } [ الأنعام : 90 ] فظهر أنه يمكن تفسير هذه الكلمات الخمسة بالقرآن ، وهذا وإن لم يذكره أحد فإنه محتمل . القول الرابع : يمكن حملها أيضاً على بعثة الأنبياء عليهم السلام { والمرسلات علافاً } هم الأشخاص الذين أرسلوا بالوحي المشتمل على كل خير ومعروف ، فإنه لا شك أنهم أرسلوا بلا إله إلا الله ، وهو مفتاح كل خير ومعروف { فَٱلْعَـٰصِفَـٰتِ عَصْفاً } معناه أن أمر كل رسول يكون في أول الأمر حقيراً ضعيفاً ، ثم يشتد ويعظم ويصير في القوة كعصف الرياح { وٱلنَّـٰشِرٰتِ نَشْراً } المراد منه انتشار دينهم ومذهبهم ومقالتهم { فَٱلْفَـٰرِقَـٰتِ فَرْقاً } المراد أنهم يفرقون بين الحق والباطل والتوحيد والإلحاد { فَٱلْمُلْقِيَـٰتِ ذِكْراً } المراد أنهم يدعون الخلق إلى ذكر الله ، ويأمرونهم به ويحثونهم عليه . القول الخامس : أن يكون المراد أن الرجل قد يكون مشتغلاً بمصالح الدنيا مستغرقاً في طلب لذاتها وراحاتها ، ففي أثناء ذلك يرد في قلبه داعية الإعراض عن الدنيا والرغبة في خدمة المولى ، فتلك الدواعي هي المرسلات عرفاً ، ثم هذه المرسلات لها أثران أحدهما : إزالة حب ما سوى الله تعالى عن القلب ، وهو المراد من قوله : { فَٱلْعَـٰصِفَـٰتِ عَصْفاً } والثاني : ظهور أثر تلك الداعية في جميع الجوارح والأعضاء حتى لا يسمع إلا الله ، ولا يبصر إلا الله ، ولا ينظر إلا الله ، فذلك هو قوله : { وٱلنَّـٰشِرٰتِ نَشْراً } ثم عند ذلك ينكشف له نور جلال الله فيراه موجوداً ، ويرى كل ما سواه معدوماً ، فذلك قوله : { فَٱلْفَـٰرِقَـٰتِ فَرْقاً } ثم يصير العبد كالمشتهر في محبته ، ولا يبقى في قلبه ولسانه إلا ذكره ، فذلك قوله : { فَٱلْمُلْقِيَـٰتِ ذِكْراً } . واعلم أن هذه الوجوه الثلاثة الأخيرة ، وإن كانت غير مذكورة إلا أنها محتملة جداً . وأما الاحتمال الثاني : وهو أن لا يكون المراد من الكلمات الخمس شيئاً واحداً ، ففيه وجوه الأول : ما ذكره الزجاج واختيار القاضي ، وهو أن الثلاثة الأول هي الرياح ، فقوله : { وَٱلْمُرْسَلَـٰتِ عُرْفاً } هي الرياح التي تتصل على العرف المعتاد { والعاصفات } ما يشتد منه ، { وٱلنَّـٰشِرٰتِ } ما ينشر السحاب . أما قوله : { فَٱلْفَـٰرِقَـٰتِ فَرْقاً } فهم الملائكة الذين يفرقون بين الحق والباطل ، والحلال والحرام ، بما يتحملونه من القرآن والوحي ، وكذلك قوله : { فَٱلْمُلْقِيَـٰتِ ذِكْراً } أنها الملائكة المتحملة للذكر الملقية ذلك إلى الرسل ، فإن قيل : وما المجانسة بين الرياح وبين الملائكة حتى يجمع بينهما في القسم ؟ قلنا : الملائكة روحانيون ، فهم بسبب لطافتهم وسرعة حركاتهم كالرياح القول الثاني : أن الاثنين الأولين هما الرياح ، فقوله : { وَٱلْمُرْسَلَـٰتِ عُرْفاً * فَٱلْعَـٰصِفَـٰتِ عَصْفاً } هما الرياح ، والثلاثة الباقية الملائكة ، لأنها تنشر الوحي والدين ، ثم لذلك الوحي أثران أحدهما : حصول الفرق بين المحق والمبطل والثاني : ظهور ذكر الله في القلوب والألسنة ، وهذا القول ما رأيته لأحد ، ولكنه ظاهر الاحتمال أيضاً ، والذي يؤكده أنه قال : { وَٱلْمُرْسَلَـٰتِ عُرْفاً ، فَٱلْعَـٰصِفَـٰتِ عَصْفاً } عطف الثاني على الأول بحرف الفاء ، ثم ذكر الواو فقال : { وٱلنَّـٰشِرٰتِ نَشْراً } وعطف الاثنين الباقيين عليه بحرف الفاء ، وهذا يقتضي أن يكون الأولان ممتازين عن الثلاثة الأخيرة القول الثالث : يمكن أيضاً أن يقال : المراد بالأولين الملائكة ، فقوله : { وَٱلْمُرْسَلَـٰتِ عُرْفاً } ملائكة الرحمة ، وقوله : { فَٱلْعَـٰصِفَـٰتِ عَصْفاً } ملائكة العذاب ، والثلاثة الباقية آيات القرآن ، لأنها تنشر الحق في القلوب والأرواح ، وتفرق بين الحق والباطل ، وتلقي الذكر في القلوب والألسنة ، وهذا القول أيضاً ما رأيته لأحد ، وهو محتمل ، ومن وقف على ما ذكرناه أمكنه أن يذكر فيه وجوهاً ، والله أعلم بمراده . المسألة الثانية : قال القفال : الوجه في دخول الفاء في بعض ما وقع به القسم ، والواو في بعض مبني على الأصل ، وهو أن عند أهل اللغة الفاء تقتضي الوصل والتعلق ، فإذا قيل : قام زيد فذهب ، فالمعنى أنه قام ليذهب فكان قيامه سبباً لذهابه ومتصلاً به ، وإذا قيل : قام وذهب فهما خبران كل واحد منهما قائم بنفسه لا يتعلق بالآخر ، ثم إن القفال لما مهد هذا الأصل فرع الكلام عليه في هذه الآية بوجوه لا يميل قلبي إليها ، وأنا أفرع على هذا الأصل فأقول : أما من جعل الأولين صفتين لشيء والثلاثة الأخيرة صفات لشيء واحد ، فالإشكال عنه زائل ، وأما من جعل الكل صفات لشيء واحد ، فنقول : إن حملناها على الملائكة ، فالملائكة إذا أرسلت طارت سريعاً ، وذلك الطيران هو العصف ، فالعصف مرتب على الإرسال فلا جرم ذكر الفاء ، أما النشر فلا يترتب على الإرسال ، فإن الملائكة أول ما يبلغون الوحي إلى الرسل لا يصير في الحال ذلك الدين مشهوراً منتشراً ، بل الخلق يؤذون الأنبياء في أول الأمر وينسبونهم إلى الكذب والسحر والجنون ، فلا جرم لم يذكر الفاء التي تفيد بل ذكر الواو ، بلى إذا حصل النشر ترتب عليه حصول الفرق بين الحق والباطل وظهور ذكر الحق على الألسنة فلا جرم ذكر هذين الأمرين بحرف الفاء ، فكأنه والله أعلم قيل : يا محمد إني أرسلت الملك إليك بالوحي الذي هو عنوان كل سعادة ، وفاتحة كل خير ، ولكن لا تطمع في أن ننشر ذلك الأمر في الحالة ، ولكن لا بد من الصبر وتحمل المشقة ، ثم إذا جاء وقت النصرة أجعل دينك ظاهراً منتشراً في شرق العالم وغربه ، وعند ذلك الانتشار يظهر الفرق فتصير الأديان الباطلة ضعيفة ساقطة ، ودينك هو الدين الحق ظاهراً غالباً ، وهنالك يظهر ذلك الله على الألسنة ، وفي المحاريب وعلى المنابر ويصير العالم مملوأ من ذكر الله ، فهذا إذا حملنا هذه الكلمات الخمس على الملائكة ، ومن عرف هذا الوجه أمكنه ذكر ما شابهه في الرياح وسائر الوجوه ، والله أعلم . أما قوله : { عُذْراً أَوْ نُذْراً } ففيه مسألتان : المسألة الأولى : فيهما قراءتان التخفيف وهو قراءة أبي عمرو وعاصم من رواية حفص والباقون قرأوا بالتثقيل ، أما التخفيف فلا نزاع في كونه مصدراً ، والمعنى إعذاراً وإنذاراً ، وأما التثقيل فزعم أبو عبيدة أنه جمع وليس بمصدر ، وأما الأخفش والزجاج فزعما أنه مصدر ، والتثقيل والتخفيف لغتان ، وقرر أبو علي قول الأخفش والزجاج ، وقال : العذر والعذير والنذر والنذير مثل النكر والنكير ، ثم قال أبو علي : ويجوز في قراءة من ثقل أن يكون عذراً جمع عاذر كشرف وشارف ، وكذلك النذر يجوز أن يكون جمع نذير ، قال تعالى : { هَـٰذَا نَذِيرٌ مّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلأُوْلَىٰ } [ النجم : 56 ] . المسألة الثانية : في النصب ثلاثة أوجه ، أما على تقدير كونه مصدراً فوجهان أحدهما : أن يكون مفعولاً على البدل من قوله : ذكراً والثاني : أن يكون مفعولاً له ، والمعنى والملقيات ذكراً للأعذار والإنذار ، وأما على تقدير كونه جمعاً ، فنصب على الحال من الإلقاء والتقدير فالملقيات ذكراً حال كونهم عاذرين ومنذرين .