Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 77, Ayat: 41-45)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن هذا هو النوع الثامن : من أنواع تهديد الكفار وتعذيبهم ، وذلك لأن الخصومة الشديدة والنفرة العظيمة كانت في الدنيا قائمة بين الكفار والمؤمنين ، فصارت تلك النفرة بحيث أن الموت كان أسهل على الكافر من أن يرى للمؤمن دولة وقوة ، فلما بين الله تعالى في هذه السورة اجتماع أنواع العذاب والخزي والنكال على الكفار ، بين في هذه الآية اجتماع أنواع السعادة والكرامة في حق المؤمن ، حتى أن الكافر حال ما يرى نفسه في غاية الذل والهوان والخزي والخسران ، ويرى خصمه في نهاية العز والكرامة والرفعة والمنقبة ، تتضاعف حسرته وتتزايد غمومه وهمومه ، وهذا أيضاً من جنس العذاب الروحاني ، فلهذا قال في هذه الآية : { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ } وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : قال مقاتل والكلبي : المراد من قوله : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ } الذين يتقون الشرك بالله ، وأقول هذا القول عندي هو الصحيح الذي لا معدل عنه ، ويدل عليه وجوه أحدها : أن المتقي عن الشرك يصدق عليه أنه متق ، لأن المتقي عن الشرك ماهية مركبة من قيدين أحدهما : أنه متق والثاني : خصوص كونه عن الشرك ، ومتى وجد المركب ، فقد وجد كل واحد من مفرداته لا محالة ، فثبت أن كل من صدق عليه أنه متق عن الشرك ، فقد صدق عليه أنه متق أقصى ما في الباب ، أن يقال : هذه الآية على هذا التقدير تتناول كل من كان متقياً لأي شيء كان ، إلا أنا نقول كونه كذلك لا يقدح فيما قلناه ، لأنه خص كل من لم يكن متقياً عن جميع أنواع الكفر فيبقى فيما عداه حجة لأن العام الذي دخل التخصيص يبقى حجة فيما عداه وثانيها : أن هذه السورة من أولها إلى آخرها مرتبة في تقريع الكفار على كفرهم وتخويفهم عليه ، فهذه الآية يجب أن تكون مذكورة لهذا الغرض ، وإلا لتفككت السورة في نظمها وترتيبها ، والنظم إنما يبقى لو كان هذا الوعد حاصلاً للمؤمنين بسبب إيمانهم ، لأنه لما تقدم وعيد الكافر بسبب كفره ، وجب أن يقرن ذلك بوعد المؤمن بسبب إيمانه حتى يصير ذلك سبباً في الزجر عن الكفر ، فأما أن يقرن به وعد المؤمن بسبب طاعته ، فذلك غير لائق بهذا النظم والترتيب ، فثبت بما ذكرنا أن المراد من قوله : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ } كل من كان متقياً عن الشرك والكفر وثالثها : أن حمل اللفظ على المسمى الكامل أولى ، وأكمل أنواع التقوى هو التقوى عن الكفر والشرك ، فكان حمل اللفظ عليه أولى . المسألة الثانية : أنه تعالى لما بعث الكفار إلى ظل ذي ثلاث شعب أعد في مقابلته للمؤمنين ثلاثة أنواع من النعمة أولها : قوله : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى ظِلَـٰلٍ وَعُيُونٍ } كأنه قيل : ظلالهم ما كانت ظليلة ، وما كانت مغنية عن اللهب والعطش أما المتقون فظلالهم ظليلة ، وفيها عيون عذبة مغنية لهم عن العطش وحاجزة بينهم وبين اللهب ومعهم الفواكه التي يشتهونها ويتمنونها ، ولما قال للكفار : { ٱنطَلِقُواْ إِلَىٰ ظِلّ ذِى ثَلَـٰثِ شُعَبٍ } قال للمتقين : { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً } فإما أن يكون ذلك الإذن من جهة الله تعالى لا بواسطة ، وما أعظمها ، أو من جهة الملائكة على وجه الإكرام ، ومعنى { هَنِيئَاً } أي خالص اللذة لا يشوبه سقم ولا تنغيص . المسألة الثالثة : اختلف العلماء في أن قوله : { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ } أمر أو إذن قال أبو هاشم : هو أمر ، وأراد الله منهم الأكل والشرب ، لأن سرورهم يعظم بذلك ، وإذا علموا أن الله أراده منهم جزاء على عملهم فكما يزيد إجلالهم وإعظامهم بذلك ، فكذلك يريد نفس الأكل والشرب معهم ، وقال أبو علي : ذلك ليس بأمر ، وإنما يريد بقوله : على وجه الإكرام ، لأن الأمر والنهي إنما يحصلان في زمان التكليف ، وليس هذا صفة الآخرة . المسألة الرابعة : تمسك من قال العمل يوجب الثواب بالباء في قوله : { بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } وهذا ضعيف لأن الباء للإضافة ، ولما جعل الله تعالى ذلك العمل علامة لهذا الثواب كان الإتيان بذلك العمل كالآلة الموصلة إلى تحصيل ذلك الثواب ، وقوله : { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ } المقصود منه أن يذكر الكفار ما فاتهم من النعم العظيمة ، ليعلموا أنهم لو كانوا من المتقين المحسنين لفازوا بمثل تلك الخيرات ، وإذا لم يفعلوا ذلك لا جرم وقعوا فيما وقعوا فيه .