Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 78, Ayat: 1-3)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه مسائل : المسألة الأولى : { عَمَّ } : أصله حرف جر دخل ما الاستفهامية ، قال حسان رحمه الله تعالى : @ على ما قام يشتمني لئيم كخنزير تمرغ في رماد @@ والاستعمال الكثير على الحذف والأصل قليل ، ذكروا في سبب الحذف وجوهاً أحدها : قال الزجاج لأن الميم تشرك الغنة في الألف فصارا كالحرفين المتماثلين وثانيها : قال الجرجاني إنهم إذا وصفوا ما في استفهام حذفوا ألفها تفرقة بينها وبين أن تكون اسماً كقولهم : فيم وبم ولم وعلام وحتام وثالثها : قالوا حذفت الألف لاتصال ما بحرف الجر حتى صارت كجزء منه لتنبىء عن شدة الاتصال ورابعها : السبب في هذا الحذف التخفيف في الكلام فإنه لفظ كثير التداول على اللسان . المسألة الثانية : قوله { عَمَّ يَتَسَاءلُونَ } أنه سؤال ، وقوله { عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } جواب السائل والمجيب هو الله تعالى ، وذلك يدل على علمه بالغيب ، بل بجميع المعلومات . فإن قيل ما الفائدة في أن يذكر الجواب معه ؟ قلنا لأن إيراد الكلام في معرض السؤال والجواب أقرب إلى التفهيم والإيضاح ونظيره { لّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوٰحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [ غافر : 16 ] . المسألة الثالثة : قرأ عكرمة وعيسى بن عمر عما وهو الأصل ، وعن ابن كثير أنه قرأ عمه بهاء السكت ، ولا يخلو إما أن يجري الوصل مجرى الوقف ، وإما أن يقف ويبتدىء بـ { يَتَسَاءلُونَ عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } على أن يضمر يتساءلون لأن ما بعده يفسره كشيء مبهم ثم يفسره . المسألة الرابعة : ما لفظة وضعت لطلب ماهيات الأشياء وحقائقها ، تقول ما الملك ؟ وما الروح ؟ وما الجن ؟ والمراد طلب ماهياتها وشرح حقائقها ، وذلك يقتضي كون ذلك المطلوب مجهولاً . ثم إن الشيء العظيم الذي يكون لعظمه وتفاقم مرتبته ويعجز العقل عن أن يحيط بكنهه يبقى مجهولاً ، فحصل بين الشيء المطلوب بلفظ ما وبين الشيء العظيم مشابهة من هذا الوجه والمشابهة إحدى أسباب المجاز ، فبهذا الطريق جعل { مَا } دليلاً على عظمة حال ذلك المطلوب وعلو رتبته ومنه قوله تعالى { وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجّينٌ } [ المطففين : 8 ] ، { وَمَا أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ } [ البلد : 12 ] وتقول زيد وما زيد . المسألة الخامسة : التساؤل هو أن يسأل بعضهم بعضاً كالتقابل ، وقد يستعمل أيضاً في أن يتحدثوا به ، وإن لم يكن من بعضهم لبعض سؤال ، قال تعالى : { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ } [ الطور : 25 ] { قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ إِنّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يِقُولُ أَءنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدّقِينَ } [ الصافات : 5251 ] فهذا يدل على معنى التحدث فيكون معنى الكلام عم يتحدثون ، وهذا قول الفراء . المسألة السادسة : أولئك الذين كانوا يتساءلون من هم ، فيه احتمالات : الاحتمال الأول : أنهم هم الكفار ، والدليل عليه قوله تعالى : { كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ } [ النبأ : 54 ] الضمير في يتساءلون ، وهم فيه مختلفون وسيعلمون ، راجع إلى شيء واحد وقوله : { كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ } تهديد والتهديد لا يليق إلا بالكفار ، فثبت أن الضمير في قوله : { يَتَسَاءلُونَ } عائد إلى الكفار ، فإن قيل فما تصنع بقوله : { هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } مع أن الكفار كانوا متفقين في إنكار الحشر ؟ قلنا لا نسلم أنهم كانوا متفقين في إنكار الحشر ، وذلك لأن منهم من كان يثبت المعاد الروحاني ، وهم جمهور النصارى ، وأما المعاد الجسماني فمنهم من كان شاكاً فيه كقوله : { وَمَا أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجّعْتُ إِلَىٰ رَبّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ } [ فصلت : 50 ] ومنهم من أصر على الإنكار ، ويقول : { إِنْ هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } [ المؤمنون : 37 ] ومنهم من كان مقرّاً به ، لكنه كان منكراً لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد حصل اختلافهم فيه ، وأيضاً هب أنهم كانوا منكرين له لكن لعلهم اختلفوا في كيفية إنكاره ، فمنهم من كان ينكره لأنه كان ينكر الصانع المختار ، ومنهم من كان ينكره لاعتقاده أن إعادة المعدوم ممتنعة لذاتها والقادر المختار إنما يكون قادراً على ما يكون ممكناً في نفسه ، وهذا هو المراد بقوله : { هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } . والاحتمال الثاني : أن الذين كانوا يتساءلون هم الكفار والمؤمنون ، وكانوا جميعاً يتساءلون عنه ، أما المسلم فليزداد بصيرة ويقيناً في دينه ، وأما الكافر فعلى سبيل السخرية ، أو على سبيل إيراد الشكوك والشبهات . والاحتمال الثالث : أنهم كانوا يسألون الرسول ، ويقولون ما هذا الذي تعدنا به من أمر الآخرة . أما قوله تعالى : { عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } ففيه مسائل . المسألة الأولى : ذكر المفسرون في تفسير النبأ العظيم ثلاثة أوجه : أحدها : أنه هو القيامة وهذا هو الأقرب ويدل عليه وجوه أحدها : قوله : { سَيَعْلَمُونَ } والظاهر أن المراد منه أنهم سيعلمون هذا الذي يتساءلون عنه حين لا تنفعهم تلك المعرفة ، ومعلوم أن ذلك هو القيامة وثانيها : أنه تعالى بين كونه قادراً على جميع الممكنات بقوله : { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَـٰداً } إلى قوله : { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّوَرِ } [ طه : 102 ] وذلك يقتضي أنه تعالى إنما قدم هذه المقدمة لبيان كونه تعالى قادراً على إقامة القيامة ، ولما كان الذي أثبته الله تعالى بالدليل العقلي في هذه السورة هو هذه المسألة ثبت أن النبأ العظيم الذي كانوا يتساءلون عنه هو يوم القيامة وثالثها : أن العظيم اسم لهذا اليوم بدليل قوله : { أَلا يَظُنُّ أُوْلَـئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [ المطففين : 64 ] وقوله : { قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ } [ ص : 6867 ] ولأن هذا اليوم أعظم الأشياء لأن ذلك منتهى فزع الخلق وخوفهم منه فكان تخصيص اسم العظيم به لائقاً والقول الثاني : { إِنَّهُ لَقُرْءانٌ } [ الواقعة : 77 ] واحتج القائلون بهذا الوجه بأمرين الأول : أن النبأ العظيم هو الذي كانوا يختلفون فيه وذلك هو القرآن لأن بعضهم جعله سحراً وبعضهم شعراً ، وبعضهم قال إنه أساطير الأولين ، فأما البعث ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم فقد كانوا متفقين على إنكارهما وهذا ضعيف ، لأنا بينا أن الاختلاف كان حاصلاً في البعث الثاني : أن النبأ اسم الخبر لا اسم المخبر عنه فتفسير النبأ بالقرآن أولى من تفسيره بالبعث أو النبوة ، لأن ذلك في نفسه ليس بنبأ بل منبأ عنه ، ويقوى ذلك أن القرآن سمي ذكراً وتذكرة وذكرى وهداية وحديثاً ، فكان اسم النبأ به أليق منه بالبعث والنبوة والجواب : عنه أنه إذا كان اسم النبأ أليق بهذه الألفاظ فاسم العظيم أليق بالقيامة وبالنبوة لأنه لا عظمة في الألفاظ إنما العظمة في المعاني ، وللأولين أن يقولوا إنها عظيمة أيضاً في الفصاحة والاحتواء على العلوم الكثيرة ، ويمكن أن يجاب أن العظيم حقيقة في الأجسام مجاز في غيرها وإذا ثبت التعارض بقي ما ذكرنا من الدلائل سليماً القول الثالث : أن النبأ العظيم هو نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، قالوا وذلك لأنه لما بعث الرسول عليه الصلاة والسلام جعلوا يتساءلون بينهم ماذا الذي حدث ؟ فأنزل الله تعالى : { عَمَّا يَتَسَاءلُونَ } وذلك لأنهم عجبوا من إرسال الله محمداً عليه الصلاة والسلام إليهم كما قال تعالى : { بَلْ عَجِبُواْ أَن جَاءهُمْ مُّنذِرٌ مّنْهُمْ فَقَالَ ٱلْكَـٰفِرُونَ هَـٰذَا شَيْء عَجِيبٌ } [ ق : 2 ] وعجبوا أيضاً أن جاءهم بالتوحيد كما قال : { أَجَعَلَ ٱلآِهَةَ إِلَـٰهاً وٰحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْء عُجَابٌ } [ ص : 5 ] فحكى الله تعالى عنهم مساءلة بعضهم بعضاً على سبيل التعجب بقوله : { عَمَّ يَتَسَاءلُونَ } . المسألة الثانية : في كيفية اتصال هذه الآية بما قبلها وجوه أحدها : وهو قول البصريين أن قوله : { عَمَّ يَتَسَاءلُونَ } كلام تام ، ثم قال : { عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } والتقدير : { يَتَسَاءلُونَ عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } إلا أنه حذف يتساءلون في الآية الثانية ، لأن حصوله في الآية الأولى يدل عليه وثانيها : أن يكون قوله : { عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } استفهاماً متصلاً بما قبله ، والتقدير : عم يتساءلون أعن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون ، إلا أنه اقتصر على ما قبله من الاستفهام إذ هو متصل به ، وكالترجمة والبيان له كما قرىء في قوله : { أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَـٰماً أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ } [ الصافات : 16 ] بكسر الألف من غير استفهام لأن إنكارهم إنما كان للبعث ، ولكنه لما ظهر الاستفهام في أول الكلام اقتصر عليه ، فكذا ههنا وثالثها : وهو اختيار الكوفيين أن الآية الثانية متصلة بالأولى على تقدير ، لأي شيء يتساءلون عن النبأ العظيم ، وعم كأنها في المعنى لأي شيء ، وهذا قول الفراء .