Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 78, Ayat: 38-38)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وذلك لأن الملائكة أعظم المخلوقات قدراً ورتبة ، وأكثر قدرة ومكانة ، فبين أنهم لا يتكلمون في موقف القيامة إجلالاً لربهم وخوفاً منه وخضوعاً له ، فكيف يكون حال غيرهم . وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : لمن يقول بتفضيل الملك على البشر أن يتمسك بهذه الآية ، وذلك لأن المقصود من الآية أن الملائكة لما بقوا خائفين خاضعين وجلين متحيرين في موقف جلال الله ، وظهور عزته وكبريائه ، فكيف يكون حال غيرهم ، ومعلوم أن هذا الاستدلال لا يتم إلا إذا كانوا أشرف المخلوقات . المسألة الثانية : اختلفوا في الروح في هذه الآية ، فعن ابن مسعود أنه ملك أعظم من السموات والجبال . وعن ابن عباس هو ملك من أعظم الملائكة خلقاً ، وعن مجاهد : خلق على صورة بني آدم يأكلون ويشربون ، وليس بناس ، وعن الحسن وقتادة هم بنو آدم ، وعلى هذا معناه ذو الروح ، وعن ابن عباس أرواح الناس ، وعن الضحاك والشعبي هو جبريل عليه السلام ، وهذا القول هو المختار عند القاضي . قال : لأن القرآن دل على أن هذا الاسم اسم جبريل عليه السلام ، وثبت أن القيام صحيح من جبريل والكلام صحيح منه ، ويصح أن يؤذن له فكيف يصرف هذا الاسم عنه إلى خلق لا نعرفه ، أو إلى القرآن الذي لا يصح وصفه بالقيام . أما قوله : { صَفَّا } فيحتمل أن يكون المعنى أن الروح على الاختلاف الذي ذكرناه ، وجميع الملائكة يقومون صفاً واحداً ، ويجوز أن يكون المعنى يقومون صفين ، ويجوز صفوفاً ، والصف في الأصل مصدر فينبىء عن الواحد والجمع ، وظاهر قول المفسرين أنهم يقومون صفين ، فيقوم الروح وحده صفاً ، وتقوم الملائكة كلهم صفاً واحداً ، فيكون عظم خلقه مثل صفوفهم ، وقال بعضهم : بل يقومون صفوفاً لقوله تعالى : { وَجَاء رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } [ الفجر : 22 ] . المسألةالثالثة : الاستثناء إلى من يعود ؟ فيه قولان : أحدهما : إلى الروح والملائكة ، وعلى هذا التقدير الآية دلت على أن الروح والملائكة لا يتكلمون إلا عند حصول شرطين إحداها : حصول الإذن من الله تعالى ، ونظيره قوله تعالى : { مَن ذَا ٱلَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } [ البقرة : 255 ] والمعنى أنهم لا يتكلمون إلا بإذن الله . والشرط الثاني : أن يقول : صواباً ، فإن قيل : لما أذن له الرحمن في ذلك القول ، علم أن ذلك القول صواب لا محالة ، فما الفائدة في قوله : { وَقَالَ صَوَاباً } ؟ والجواب من وجهين : الأول : أن الرحمن أذن له في مطلق القول ثم إنهم عند حصول ذلك الإذن لا يتكلمون إلا بالصواب ، فكأنه قيل : إنهم لا ينطلقون إلا بعد ورود الإذن في الكلام ، ثم بعد ورود ذلك الإذن يجتهدون ، ولا يتكلمون إلا بالكلام الذي يعلمون أنه صدق وصواب ، وهذا مبالغة في وصفهم بالطاعة والعبودية الوجه الثاني : أن تقديره : لا يتكلمون إلا في حق { مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَاباً } والمعنى لا يشفعون إلا في حق شخص أذن له الرحمن في شفاعته وذلك الشخص كان ممن قال صواباً ، واحتج صاحب هذا التأويل بهذه الآية على أنهم يشفعون للمذنبين لأنهم قالوا صواباً وهو شهادة أن لا إله إلا الله ، لأن قوله : { وَقَالَ صَوَاباً } يكفي في صدقه أن يكون قد قال صواباً واحداً ، فكيف بالشخص الذي قال القول الذي هو أصوب الأقوال وتكلم بالكلام الذي هو أشرف الكلمات القول الثاني : أن الاستثناء غير عائد إلى الملائكة فقط بل إلى جميع أهل السموات والأرض ، والمقول الأول أولى لأن عود الضمير إلى الأقرب أولى . واعلم أنه تعالى لما قرر أحوال المكلفين في درجات الثواب والعقاب ، وقرر عظمة يوم القيامة قال بعده :