Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 78, Ayat: 9-9)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ورابعها : قوله تعالى : { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً } طعن بعض الملاحدة في هذه الآية فقالوا : السبات هو النوم ، والمعنى : وجعلنا نومكم نوماً ، واعلم أن العلماء ذكروا في التأويل وجوهاً أولها : قال الزجاج : { سُبَاتاً } موتاً والمسبوت الميت من السبت وهو القطع لأنه مقطوع عن الحركة ودليله أمران إحداهما : قوله تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّـٰكُم بِٱلَّيْلِ } [ الأنعام : 60 ] إلى قوله : { ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ } [ الأنعام : 60 ] والثاني : أنه لما جعل النوم موتاً جعل اليقظة معاشاً ، أي حياة في قوله : { وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً } [ النبأ : 11 ] وهذا القول عندي ضعيف لأن الأشياء المذكورة في هذه الآية جلائل النعم ، فلا يليق الموت بهذا المكان وأيضاً ليس المراد بكونه موتاً ، أن الروح انقطع عن البدن ، بل المراد منه انقطاع أثر الحواس الظاهرة ، وهذا هو النوم ، ويصير حاصل الكلام إلى : إنا جعلنا نومكم نوماً وثانيها : قال الليث : السبات النوم شبه الغشي يقال سبت المريض فهو مسبوت ، وقال أبو عبيدة : السبات الغشية التي تغشى الإنسان شبه الموت ، وهذا القول أيضاً ضعيف ، لأن الغشي ههنا إن كان النوم فيعود الإشكال ، وإن كان المراد بالسبات شدة ذلك الغشي فهو باطل ، لأنه ليس كل نوم كذلك ولأنه مرض فلا يمكن ذكره في أثناء تعديد النعم وثالثها : أن السبت في أصل اللغة هو القطع يقال سبت الرجل رأسه يسبته سبتاً إذا حلق شعره ، وقال ابن الأعرابي في قوله : { سُبَاتاً } أي قطعاً ثم عند هذا يحتمل وجوهاً الأول : أن يكون المعنى : وجعلنا نومكم نوماً متقطعاً لا دائماً ، فإن النوم بمقدار الحاجة من أنفع الأشياء . أما دوامه فمن أضر الأشياء ، فلما كان انقطاعه نعمة عظيمة لا جرم ذكره الله تعالى في معرض الإنعام الثاني : أن الإنسان إذا تعب ثم نام ، فذلك النوم يزيل عنه ذلك التعب ، فسميت تلك الإزالة سبتاً وقطعاً ، وهذا هو المراد من قول ابن قتيبة : { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً } أي راحة ، وليس غرضه منه أن السبات اسم للراحة ، بل المقصود أن النوم يقطع التعب ويزيله ، فحينئذ تحصل الراحة الثالث : قال المبرد : { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً } أي جعلناه نوماً خفيفاً يمكنكم دفعه وقطعه ، تقول العرب : رجل مسبوت إذا كان النوم يغالبه وهو يدافعه ، كأنه قيل : وجعلنا نومكم نوماً لطيفاً يمكنكم دفعه ، وما جعلناه غشياً مستولياً عليكم ، فإن ذلك من الأمراض الشديدة ، وهذه الوجوه كلها صحيحة . وخامسها قوله تعالى :