Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 79, Ayat: 15-17)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه مسائل : المسألة الأولى : اعلم أن وجه المناسبة بين هذه القصة وبين ما قبلها من وجهين : الأول : أنه تعالى حكى عن الكفار إصرارهم على إنكار البعث حتى انتهوا في ذلك الإنكار إلى حد الاستهزاء في قولهم : { تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَـٰسِرَةٌ } [ النازعات : 12 ] وكان ذلك يشق على محمد صلى الله عليه وسلم فذكر قصة موسى عليه السلام ، وبين أنه تحمل المشقة الكثيرة في دعوة فرعون ليكون ذلك كالتسلية للرسول صلى الله عليه وسلم الثاني : أن فرعون كان أقوى من كفار قريش وأكثر جمعاً وأشد شوكة ، فلما تمرد على موسى أخذه الله نكال الآخرة والأولى ، فكذلك هؤلاء المشركون في تمردهم عليك إن أصروا أخذهم الله وجعلهم نكالاً . المسألة الثانية : قوله : { هَل أَتَاكَ } يحتمل أن يكون معناه أليس قد { أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ } هذا إن كان قد أتاه ذلك قبل هذا الكلام ، أما إن لم يكن قد أتاه فقد يجوز أن يقال : { هَلُ أَتَاكَ } كذا ، أم أنا أخبرك به فإن فيه عبرة لمن يخشى . المسألة الثالثة : الوادي المقدس المبارك المطهر ، وفي قوله : { طُوًى } وجوه : أحدها : أنه اسم وادي بالشام وهو عند الطور الذي أقسم الله به في قوله : { وَٱلطُّورِ * وَكِتَـٰبٍ مُّسْطُورٍ } [ الطور : 21 ] وقوله : { وَنَـٰدَيْنَـٰهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنِ } [ مريم : 52 ] والثاني : أنه بمعنى يا رجل بالعبرانية ، فكأنه قال : يا رجل اذهب إلى فرعون ، وهو قول ابن عباس والثالث : أن يكون قوله : { طُوًى } أي ناداه { طُوًى } من الليلة { ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ } لأنك تقول جئتك بعد { طُوًى } أي بعد ساعة من الليل والرابع : أن يكون المعنى بالوادي المقدس الذي طوى أي بورك فيه مرتين . المسألة الرابعة : قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو { طُوًى } بضم الطاء غير منون ، وقرأ الباقون بضم الطاء منوناً ، وروي عن أبي عمرو . طوى بكسر الطاء ، وطوى مثل ثنى ، وهما اسمان للشيء المثنى ، والطي بمعنى الثني ، أي ثنيت في البركة والتقديس ، قال القراء : { طُوًى } واد بين المدينة ومصر ، فمن صرفه قال : هو ذكر سمينا به ذكراً ، ومن لم يصرفه جعله معدولاً عن جهته كعمر وزفر ، ثم قال : والصرف أحب إلي إذ لم أجد في المعدول نظيراً ، أي لم أجد اسماً من الواو والياء عدل عن فاعلة إلى فعل غير { طُوًى } . المسألة الخامسة : تقدير الآية : إذ ناداه ربه وقال اذهب إلى فرعون ، وفي قراءة عبدالله أن اذهب ، لأن في النداء معنى القول . وأما أن ذلك النداء كان بإسماع الكلام القديم ، أو بإسماع الحرف والصوت ، وإن كان على هذا الوجه فكيف عرف موسى أنه كلام الله . فكل ذلك قد تقدم في سورة طه . المسألة السادسة : أن سائر الآيات تدل على أنه تعالى في أول ما نادى موسى عليه السلام ذكر له أشياء كثيرة ، كقوله في سورة طه : { نُودِيَ يٰمُوسَىٰ إِنّي أَنَاْ رَبُّكَ } إلى قوله : { لِنُرِيَكَ مِنْ ءَايَـٰتِنَا ٱلْكُبْرَىٰ * ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } [ طه : 2423 ] فدل ذلك على أن قوله ههنا : { ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } من جملة ما ناداه به ربه ، لا أنه كل ما ناداه به ، وأيضاً ليس الغرض أنه عليه السلام كان مبعوثاً إلى فرعون فقط ، بل إلى كل من كان في ذلك الطرف ، إلا أنه خصه بالذكر ، لأن دعوته جارية مجرى دعوة كل ذلك القوم . المسألة السابعة : الطغيان مجاوزة الحد ، ثم إنه تعالى لم يبين أنه تعدى في أي شيء ، فلهذا قال بعض المفسرين : معناه أنه تكبر على الله وكفر به ، وقال آخرون : إنه طغى على بني إسرائيل ، والأولى عندي الجمع بين الأمرين ، فالمعنى أنه طغى على الخالق بأن كفر به ، وطغى على الخلق بأن تكبر عليهم واستعبدهم ، وكما أن كمال العبودية ليس إلا صدق المعاملة مع الخالق ومع الخلق ، فكذا كمال الطغيان ليس إلا الجمع بين سوء المعاملة مع الخالق ومع الخلق . واعلم أنه تعالى لما بعثه إلى فرعون لقنه كلامين ليخاطبه بهما : فالأول : قوله تعالى :