Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 15-16)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
في الآية مسائل : المسألة الأولى : قال الأزهري : أصل الزحف للصبي ، وهو أن يزحف على أسته قبل أن يقوم ، وشبه بزحف الصبي مشي الطائفتين اللتين تذهب كل واحدة منهما إلى صاحبتها للقتال ، فيمشي كل فئة مشياً رويداً إلى الفئة الأخرى قبل التداني للضراب . قال ثعلب : الزحف المشي قليلاً قليلاً إلى الشيء ، ومنه الزحاف في الشعر يسقط مما بين حرفين . حرف فيزحف أحدهما إلى الآخر . إذا عرفت هذا فنقول : قوله : { إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً } أي متزاحفين نصب على الحال ، ويجوز أن يكون حالاً للكفار ، ويجوز أن يكون حالاً للمخاطبين وهم المؤمنون ، والزحف مصدر موصوف به كالعدل والرضا ، ولذلك لم يجمع ، والمعنى : إذا ذهبتم إليهم للقتال ، فلا تنهزموا ، ومعنى { فَلاَ تُوَلُّوهُمُ ٱلادْبَارَ } أي لا تجعلوا ظهوركم مما يليهم . ثم إنه تعالى لما نهى عن هذا الانهزام بين أن هذا الانهزام محرم إلا في حالتين : إحداهما : أن يكون متحرفاً للقتال ، والمراد منه أن يخيل إلى عدوه أنه منهزم . ثم ينعطف عليه ، وهو أحد أبواب خدع الحرب ومكايدها ، يقال : تحرف وانحرف إذا زال عن جهة الاستواء . والثانية : قوله : { أَوْ مُتَحَيّزاً إِلَىٰ فِئَةٍ } قال أبو عبيدة : التحيز التنحي وفيه لغتان : التحيز والتحوز . قال الواحدي : وأصل هذا الحوز ، وهو الجمع . يقال : حزته فانحاز وتحوز وتحيز إذا انضم واجتمع ، ثم سمى التنحي تحيزاً ، لأن المتنحى عن جانب ينفصل عنه ويميل إلى غيره . إذا عرفت هذا فنقول : الفئة الجماعة ، فإذا كان هذا المتحيز كالمنفرد ، وفي الكفار كثرة ، وغلب على ظن ذلك المنفرد أنه إن ثبت قتل من غير فائدة ، وإن تحيز إلى جمع كان راجياً للخلاص ، وطامعاً في العدو بالكثرة ، فربما وجب عليه التحيز إلى هذه الفئة فضلاً عن أن يكون ذلك جائزاً والحاصل أن الانهزام من العدو حرام إلا في هاتين الحالتين . ثم إنه تعالى قال : { وَمَن يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } إلا في هاتين الحالتين ، فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير . المسألة الثانية : احتج القاضي بهذه الآية على القطع بوعيد الفساق من أهل الصلاة ، وذلك لأن الآية دلت على أن من انهزم إلا في هاتين الحالتين استوجب غضب الله ونار جهنم . قال وليس للمرجئة أن يحملوا هذه الآية على الكفار دون أهل الصلاة ، كصنعهم في سائر آيات الوعيد ، لأن هذا الوعيد مختص بأهل الصلاة . واعلم أن هذه المسألة قد ذكرناها على الاستقصاء في سورة البقرة ، وذكرنا أن الاستدلال بهذه الظواهر لا يفيد إلا الظن ، وقد ذكرنا أيضاً أنها معارضة بعمومات الوعد ، وذكرنا أن الترجيح بجانب عمومات الوعد من الوجوه الكثيرة ، فلا فائدة في الإعادة . المسألة الثالثة : اختلف المفسرون في أن هذا الحكم هل هو مختص بيوم بدر أو هو حاصل على الإطلاق ، فنقل عن أبي سعيد الخدري والحسن وقتادة والضحاك أن هذا الحكم مختص بمن كان انهزم يوم بدر ، قالوا : والسبب في اختصاص يوم بدر بهذا الحكم أمور : أحدها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حاضراً يوم بدر ومع حضوره لا يعد غيره فيه ، أما لأجل أنه لا يساوي به سائر الفئات . بل هو أشرف وأعلى من الكل ، وأما لأجل أن الله تعالى وعده بالنصر والظفر فلم يكن لهم التحيز إلى فئة أخرى . وثانيها : أنه تعالى شدد الأمر على أهل بدر ، لأنه كان أول الجهاد ولو اتفق للمسلمين انهزام فيه ، لزم منه الخلل العظيم ، فلهذا وجب عليهم التشدد والمبالغة ، ولهذا السبب منع الله في ذلك اليوم من أخذ الفداء من الأسرى . والقول الثاني : أن الحكم المذكور في هذه الآية كان عاماً في جميع الحروب ، بدليل أن قوله تعالى : { ٱلنَّارِ يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } عام فيتناول جميع السور ، أقصى ما في الباب أنه نزل في واقعة بدر ، لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . المسألة الرابعة : اختلفوا في أن جواز التحيز إلى فئة هل يحظر إذا كان العسكر عظيماً أو إنما يثبت إذا كان في العسكر خفة ؟ قال بعضهم : إذا عظم العسكر فليس لهم هذا التحيز . وقال بعضهم : بل الكل سواء ، وهذا أليق بالظاهر لأنه لم يفصل .