Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 31-34)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أنه تعالى لما حكى مكرهم في ذات محمد . حكى مكرهم في دين محمد ، روى أن النضر بن الحرث خرج إلى الحيرة تاجراً ، واشترى أحاديث كليلة ودمنة ، وكان يقعد مع المستهزئين والمقتسمين وهو منهم ، فيقرأ عليهم أساطير الأولين ، وكان يزعم أنها مثل ما يذكره محمد من قصص الأولين ، فهذا هو المراد من قوله : { قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَا إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ أَسَـٰطِيرُ ٱلاوَّلِينَ } وههنا موضع بحث ، وذلك لأن الاعتماد في كون القرآن معجزاً عن أنه صلى الله عليه وسلم تحدى العرب بالمعارضة ، فلم يأتوا بها ، وهذا إشارة إلى أنهم أتوا بتلك المعارضة ، وذلك يوجب سقوط الدليل المعول عليه . والجواب : أن كلمة { لَوْ } تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره . فقوله : { لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَا } يدل على أنه ما شاء ذلك القول ، وما قال . فثبت أن النضر بن الحرث أقر أنه ما أتى بالمعارضة ، وإنما أخبر أنه لو شاءها لأتى بها ، وهذا ضعيف . لأن المقصود إنما يحصل لو أتى بالمعارضة ، أما مجرد هذا القول فلا فائدة فيه . والشبهة الثانية : لهم قولهم : { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ ٱلسَّمَاء أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } أي بنوع آخر من العذاب أشد من ذلك وأشق منه علينا . فإن قيل : هذا الكلام يوجب الإشكال من وجهين : الأول : أن قوله { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ ٱلسَّمَاء أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } حكاه الله عن الكفار ، وكان هذا كلام الكفار وهو من جنس نظم القرآن فقد حصلت المعارضة في هذا القدر ، وأيضاً حكى عنهم أنهم قالوا في سورة بني إسرائيل : { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلاْرْضِ يَنْبُوعًا } [ الإسراء : 90 ] وذلك أيضاً كلام الكفار فقد حصل من كلامهم ما يشبه نظم القرآن ومعارضته ، وذلك يدل على حصول المعارضة . الثاني : أن كفار قريش كانوا معترفين بوجود الإله وقدرته وحكمته وكانوا قد سمعوا التهديد الكثير من محمد عليه الصلاة والسلام في نزول العذاب ، فلو كان نزول القرآن معجزاً لعرفوا كونه معجزاً لأنهم أرباب الفصاحة والبلاغة ، ولو عرفوا ذلك لكان أقل الأحوال أن يصيروا شاكين في نبوة محمد عليه الصلاة والسلام ، ولو كانوا كذلك لما أقدموا عى قولهم : { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ ٱلسَّمَاء } لأن المتوقف الشاك لا يتجاسر على مثل هذه المبالغة ، وحيث أتوا بهذه المبالغة ، علمنا أنه ما لاح لهم في القرآن وجه من الوجوه المعجزة . والجواب عن الأول : أن الإتيان بهذا القدر من الكلام لا يكفي في حصول المعارضة ، لأن هذا المقدار كلام قليل لا يظهر فيه وجوه الفصاحة والبلاغة ، وهذا الجواب لا يتمشى إلا إذا قلنا التحدي ما وقع بجميع السور ، وإنما وقع بالسورة الطويلة التي يظهر فيها قوة الكلام . والجواب عن الثاني : هب أنه لم يظهر لهم الوجه في كون القرآن معجز إلا أنه لما كان معجزاً في نفسه ، فسواء عرفوا ذلك الوجه أو لم يعرفوا فإنه لا يتفاوت الحال فيه . المسألة الثانية : قوله : { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ } قال الزجاج : القراءة بنصب { ٱلْحَقّ } على خبر { كَانَ } ودخلت { هُوَ } للفصل ولا موضع لها ، وهي بمنزلة « ما » المؤكدة ودخلت ليعلم أن قوله : { ٱلْحَقّ } ليس بصفة لهذا وأنه خبر . قال : ويجوز هو الحق رفعاً ولا أعلم أحداً قرأ بها ولا خلاف بين النحويين في إجازتها ، ولكن القراءة سنة ، وروى صاحب « الكشاف » عن الأعمش أنه قرأ بها . واعلم أنه تعالى لما حكى هاتين الشبهتين لم يذكر الجواب عن الشبهة الأولى ، وهو قوله : { لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَا } ولكنه ذكر الجواب عن الشبهة الثانية ، وهو قوله : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } وفيه مسائل : المسألة الأولى : اعلم أن تقرير وجه الجواب أن الكفار لما بالغوا وقالوا : اللهم إن كان محمد محقاً فأمطر علينا حجارة من السماء ، ذكر تعالى أن محمداً وإن كان محقاً في قوله إلا أنه مع ذلك لا يمطر الحجارة على أعدائه ، وعلى منكري نبوته ، لسببين : الأول : أن محمداً عليه الصلاة والسلام ما دام يكون حاضراً معهم ، فإنه تعالى لا يفعل بهم ذلك تعظيماً له ، وهذا أيضاً عادة الله مع جميع الأنبياء المتقدمين ، فإنه لم يعذب أهل قرية إلا بعد أن يخرج رسولهم منها ، كما كان في حق هود وصالح ولوط . فإن قيل : لما كان حضوره فيهم مانعاً من نزول العذاب عليهم ، فكيف قال : { قَـٰتِلُوهُمْ يُعَذّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ } [ التوبة : 14 ] . قلنا : المراد من الأول عذاب الاستئصال ، ومن الثاني : العذاب الحاصل بالمحاربة والمقاتلة . والسبب الثاني : قوله : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } وفي تفسيره وجوه : الأول : وما كان الله معذب هؤلاء الكفار وفيهم مؤمنون يستغفرون ، فاللفظ وإن كان عاماً إلا أن المراد بعضهم كما يقال : قتل أهل المحلة رجلاً ، وأقدم أهل البلدة الفلانية على الفساد ، والمراد بعضهم . الثاني : وما كان الله معذب هؤلاء الكفار ، وفي علم الله أنه يكون لهم أولاد يؤمنون بالله ويستغفرونه ، فوصفوا بصفة أولادهم وذراريهم . الثالث : قال قتادة والسدي : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } أي لو استغفروا لم يعذبوا ، فكان المطلوب من ذكر هذا الكلام استدعاء الاستغفار منهم . أي لو اشتغلوا بالاستغفار لما عذبهم الله . ولهذا ذهب بعضهم إلى أن الاستغفار ههنا بمعنى الإسلام والمعنى : أنه كان معهم قوم كان في علم الله أن يسلموا . منهم أبو سفيان بن حرب . وأبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب . والحرث بن هشام . وحكيم بن حزام . وعدد كثير ، والمعنى { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ } مع أن في علم الله أن فيهم من يؤل أمره إلى الإيمان . قال أهل المعاني : دلت هذه الآية على أن الاستغفار أمان وسلامة من العذاب . قال ابن عباس : كان فيهم أمانان نبي الله والاستغفار ، أما النبي فقد مضى ، وأما الاستغفار فهو باق إلى يوم القيامة ، ثم قال : { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذّبَهُمُ ٱللَّهُ } واعلم أنه تعالى بين في الآية الأولى أنه لا يعذبهم ما دام رسول الله فيهم ، وذكر في هذه الآية أنه يعذبهم فكان المعنى أنه يعذبهم إذا خرج الرسول من بينهم ثم اختلفوا في هذا العذاب فقال بعضهم : لحقهم هذا العذاب المتوعد به يوم بدر ، وقيل بل يوم فتح مكة ، وقال ابن عباس : هذا العذاب هو عذاب الآخرة ، والعذاب الذي نفاه عنهم هو عذاب الدنيا ، ثم بين تعالى ما لأجله يعذبهم ، فقال : { وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } وقد ظهرت الأخبار أنهم كيف صدوا عنه عام الحديبية ، ونبه على أنهم يصدون لادعائهم أنهم أولياؤه ، ثم بين بطلان هذه الدعوى بقوله : { وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاؤُهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ } الذين يتحرزون عن المنكرات ، كالذي كانوا يفعلونه عند البيت من المكاء والتصدية ، والمقصود بيان أن من كانت هذه حاله لم يكن ولياً للمسجد الحرام ، فهم إذن أهل لأن يقتلوا بالسيف ويحاربوا ، فقتلهم الله يوم بدر ، وأعز الإسلام بذلك على ما تقدم شرحه .