Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 44-44)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن هذا هو النوع الثالث من النعم التي أظهرها الله للمسلمين يوم بدر ، والمراد أن القليل الذي حصل في النوم تأكد ذلك بحصوله في اليقظة . قال صاحب « الكشاف » : { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ } الضميران مفعولان يعني إذ يبصركم أياهم ، و { قَلِيلاً } نصب على الحال . واعلم أنه تعالى قلل عدد المشركين في أعين المؤمنين ، وقلل أيضاً عدد المؤمنين في أعين المشركين . والحكمة في التقليل الأول ، تصديق رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأيضاً لتقوى قلوبهم وتزداد جراءتهم عليهم ، والحكمة في التقليل . الثاني : أن المشركين لما استقلوا عدد المسلمين لم يبالغوا في الاستعداد والتأهب والحذر ، فصار ذلك سبباً لاستيلاء المؤمنين عليهم . فإن قيل : كيف يجوز أن يريهم الكثير قليلاً ؟ قلنا : أما على ما قلنا فذاك جائز ، لأن الله تعالى خلق الإدراك في حق البعض دون البعض . وأما المعتزلة فقالوا : لعل العين منعت من إدراك الكل ، أو لعل الكثير منهم كانوا في غاية البعد فما حصلت رؤيتهم . ثم قال : { لّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً } . فإن قيل : ذكر هذا الكلام في الآية المتقدمة ، فكان ذكره ههنا محض التكرار . قلنا : المقصود من ذكره في الآية المتقدمة هو أنه تعالى فعل تلك الأفعال ليحصل استيلاء المؤمنين على المشركين على وجه يكون معجزة دالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم . والمقصود من ذكره ههنا ، ليس هو ذلك المعنى ، بل المقصود أنه تعالى ذكر ههنا أنه قلل عدد المؤمنين في أعين المشركين ، فبين ههنا أنه إنما فعل ذلك ليصير ذلك سبباً لئلا يبالغ الكفار في تحصيل الاستعداد والحذر ، فيصير ذلك سبباً لانكسارهم . ثم قال : { وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلامُورُ } والغرض منه التنبيه على أن أحوال الدنيا غير مقصودة لذواتها ، وإنما المراد منها ما يصلح أن يكون زاداً ليوم المعاد .