Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 48-48)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أن هذا من جملة النعم التي خص أهل بدر بها وفيه مسائل : المسألة الأولى : العامل في { إِذْ } فيه وجوه : قيل : تقديره اذكر إذ زين لهم ، وقيل : هو عطف على ما تقدم من تذكير النعم ، وتقديره : واذكروا إذ يريكموهم وإذ زين ، وقيل : هو عطف على قوله : خرجوا بطراً ورئاء الناس . وتقديره : لا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورثاء الناس وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم . المسألة الثانية : في كيفية هذا التزيين وجهان : الأول : أن الشيطان زين بوسوسته من غير أن يتحول في صورة الإنسان ، وهو قول الحسن والأصم . والثاني : أنه ظهر في صورة الإنسان . قالوا : إن المشركين حين أرادوا المسير إلى بدر خافوا من بني بكر بن كنانة ، لأنهم كانوا قتلوا منهم واحداً ، فلم يأمنوا أن يأتوهم من ورائهم ، فتصور لهم إبليس بصورة سراقة بن مالك بن جعشم وهو من بني بكر بن كنانة وكان من أشرافهم في جند من الشياطين ، ومعه راية ، وقال : لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم مجيركم من بني كنانة ، فلما رأى إبليس نزول الملائكة نكص على عقيبه . وقيل : كانت يده في يد الحرث بن هشام ، فلما نكص قال له الحرث : أتخذ لنا في هذه الحال ؟ فقال : إني أرى ما لا ترونٰ ودفع في صدر الحرث وانهزموا . وفي هذه القصة سؤالات : السؤال الأول : ما الفائدة في تغيير صورة إبليس إلى صورة سراقة ؟ والجواب فيه معجزة عظيمة للرسول عليه السلام وذلك لأن كفار قريش لما رجعوا إلى مكة قالوا هزم الناس سراقة ، فبلغ ذلك سراقة فقال : والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم . فعند ذلك تبين للقوم أن ذلك الشخص ما كان سراقة بل كان شيطاناً . فإن قيل : فإذا حضر إبليس لمحاربة المؤمنين . ومعلوم أنه في غاية القوة ، فلم لم يهزموا جيوش المسلمين ؟ قلنا : لأنه رأى في جيش المسلمين جبريل مع ألف من الملائكة ، فلهذا السبب خاف وفر . فإن قيل : فعلى هذا الطريق وجب أن ينهزم جميع جيوش المسلمين لأنه يتشبه بصورة البشر ويحضر ويعين جمع الكفار ويهزم جموع المسلمين ، والحاصل : أنه إن قدر على هذا المعنى فلم لا يفعل ذلك في سائر وقائع المسلمين ؟ وإن لم يقدر عليه فكيف أضفتم إليه هذا العمل في واقعة بدر ؟ الجواب : لعله تعالى إنما غير صورته إلى صورة البشر في تلك الواقعة أما في سائر الوقائع فلا يفعل ذلك التغيير . السؤال الثاني : أنه تعالى لما غير صورته إلى صورة البشر فما بقي شيطاناً بل صار بشراً . الجواب أن الإنسان إنما كان إنساناً بجوهر نفسه الناطقة ، ونفوس الشياطين مخالفة لنفوس البشر فلم يلزم من تغيير الصورة تغيير الحقيقة ، وهذا الباب أحد الدلائل السمعية على أن الإنسان ليس إنساناً بحسب بنيته الظاهرة وصورته المخصوصة . السؤال الثالث : ما معنى قول الشيطان { لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ } وما الفائدة في هذا الكلام مع أنهم كانوا كثيرين غالبين ؟ والجواب : أنهم وإن كانوا كثيرين في العدد إلا أنهم كانوا يشاهدون أن دولة محمد عليه الصلاة والسلام كل يوم في الترقي والتزايد ، ولأن محمداً كلما أخبر عن شيء فقد وقع فكانوا لهذا السبب خائفين جداً من قوم محمد صلى الله عليه وسلم ، فذكر إبليس هذا الكلام إزالة للخوف عن قلوبهم ، ويحتمل أن يكون المراد أنه كان يؤمنهم من شر بني بكر بن كنانة خصوصاً وقد تصور بصورة زعيم منهم ، وقال : { إِنّى جَارٌ لَّكُمْ } والمعنى : إني إذا كنت وقومي ظهيراً لكم فلا يغلبكم أحد من الناس ومعنى الجار ههنا : الدافع عن صاحبه أنواع الضرر كما يدفع الجار عن جاره ، والعرب تقول : أنا جار لك من فلان أي حافظ من مضرته فلا يصل إليك مكروه منه . ثم قال تعالى : { فَلَمَّا تَرَاءتِ ٱلْفِئَتَانِ } أي التقى الجمعان بحيث رأت كل واحدة الأخرى نكص على عقيبه ، والنكوص الأحجام عن الشيء ، والمعنى : رجع وقال : إني أرى مالا ترون ، وفيه وجوه : الأول : أنه روحاني ، فرأى الملائكة فخافهم . قيل : رأى جبريل يمشي بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام . وقيل : رأى ألفاً من الملائكة مردفين . الثاني : أنه رأى أثر النصرة والظفر في حق النبي عليه الصلاة والسلام ، فعلم أنه لو وقف لنزلت عليه بلية . ثم قال : { إِنّى أَخَافُ ٱللَّهَ } قال قتادة صدق في قوله : { إِنّي أَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ } وكذب في قوله : { إِنّى أَخَافُ ٱللَّهَ } وقيل لما رأى الملائكة ينزلون من السماء خاف أن يكون الوقت الذي أنظر إليه قد حضر فقال : ما قال إشفاقاً على نفسه . أما قوله : { وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } فيجوز أن يكون من بقية كلام إبليس ، ويجوز أن ينقطع كلامه عند قوله أخاف الله . ثم قال تعالى بعده : { وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } .