Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 50-51)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنه تعالى لما شرح أحوال هؤلاء الكفار شرح أحوال موتهم ، والعذاب الذي يصل إليهم في ذلك الوقت ، وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : قرأ ابن عامر وحده { إِذْ } بالتاء على تأنيث لفظ الملائكة والجمع ، والباقون بالياء على المعنى . المسألة الثانية : جواب { عَلَيْهِمْ لَوْ } محذوف . والتقدير : لرأيت منظراً هائلاً ، وأمراً فظيعاً ، وعذاباً شديداً . المسألة الثالثة : { وَلَوْ تَرَى } ولو عاينت وشاهدت ، لأن لو ترد المضارع إلى الماضي كما ترد إن الماضي إلى المضارع . المسألة الرابعة : الملائكة رفعها بالفعل ، ويضربون حال منهم ، ويجوز أن يكون في قوله : { يَتَوَفَّى } ضمير لله تعالى ، والملائكة مرفوعة بالابتداء ، ويضربون خبر . المسألة الخامسة : قال الواحدي : معنى يتوفى الذين كفروا يقبضون أرواحهم على استيفائها وهذا يدل على أن الإنسان شيء مغاير لهذا الجسد ، وأنه هو الروح فقط لأن قوله : { يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يدل على أنه استوفى الذات الكافرة ، وذلك يدل على أن الذات الكافرة هي التي استوفيت من هذا الجسد ، وهذا برهان ظاهر على أن الإنسان شيء مغاير لهذا الجسد ، وقوله : { يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَـٰرَهُمْ } قال ابن عباس : كان المشركون إذا أقبلوا بوجوههم إلى المسلمين ضربوا وجوههم بالسيف ، وإذا ولوا ضربوا أدبارهم ، فلا جرم قابلهم الله بمثله في وقت نزع الروح ، وأقول فيه معنى آخر ألطف منه ، وهو أن روح الكافر إذا خرج من جسده فهو معرض عن عالم الدنيا مقبل على الآخرة ، وهو لكفره لا يشاهد في عالم الآخرة إلا الظلمات ، وهو لشدة حبه للجسمانيات ، ومفارقته لها لا ينال من مباعدته عنها إلا الآلام والحسرات ، فسبب مفارقته لعالم الدنيا تحصل له الآلام بعد الآلام والحسرات ، وبسبب إقباله على الآخرة مع عدم النور والمعرفة ، ينتقل من ظلمات إلى ظلمات ، فهاتان الجهتان هما المراد من قوله : { يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَـٰرَهُمْ } . ثم قال تعالى : { وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } وفيه إضمار ، والتقدير : ونقول ذوقوا عذاب الحريق ونظيره في القرآن كثير قال تعالى : { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَـٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا } [ البقرة : 127 ] أي ويقولان ربنا ، وكذا قوله تعالى : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُؤُوسَهُمْ عِندَ رَبّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا } [ السجدة : 12 ] أي يقولون ربنا . قال ابن عباس : قول الملائكة لهم : { وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } إنما صح لأنه كان مع الملائكة مقامع ، وكلما ضربوا بها التهبت النار في الأجزاء والأبعاض ، فذاك قوله : { وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } قال الواحدي : والصحيح أن هذا تقوله الملائكة لهم في الآخرة . وأقول : أما العذاب الجسماني فحق وصدق . وأما الروحاني فحق أيضاً لدلالة العقل عليه ، وذلك لأنا بينا أن الجاهل إذا فارق الدنيا حصل له الحزن الشديد بسبب مفارقة الدنيا المحبوبة ، والخوف الشديد بسبب تراكم الظلمات عليه في عالم الخوف والحزن . والخوف والحزن كلاهما يوجبان الحرقة الروحانية ، والنار الروحانية . ثم قال تعالى : { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } قيل هذا إخبار عن قول الملائكة ، وفيه مسائل : المسألة الأولى : قال الواحدي : يجوز أن يقال ذلك مبتدأ ، وخبره قوله : { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } ويجوز أن يكون محل ذلك نصباً ، والتقدير : فعلنا ذلك بما قدمت أيديكم . المسألة الثانية : المراد من قوله : { ذٰلِكَ } هذا أي هذا العذاب الذي هو عذاب الحريق ، حصل بسبب ما قدمت أيديكم ، وذكرنا في قوله : { الم * ذٰلِكَ ٱلْكِتَابُ } أن معناه هذا الكتاب وهذا المعنى جائز . المسألة الثالثة : ظاهر قوله : { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ } يقتضي أن فاعل هذا الفعل هو اليد ، وذلك ممتنع من وجوه : أحدها : أن هذا العذاب إنما وصل إليهم بسبب كفرهم ، ومحل الكفر هو القلب لا اليد . وثانيها : أن اليد ليست محلاً للمعرفة والعلم ، فلا يتوجه التكليف عليها ، فلا يمكن إيصا العذاب إليها ، فوجب حمل اليد ههنا على القدرة ، وسبب هذا المجازان اليد آلة العمل والقدرة هي المؤثرة في العمل ، فحسن جعل اليد كناية عن القدرة . واعلم أن التحقيق أن الإنسان جوهر واحد وهو الفعل وهو الدراك وهو المؤمن وهو الكافر وهو المطيع والعاصي ، وهذه الأعضاء آلات له وأدوات له في الفعل فأضيف الفعل في الظاهر إلى الآلة ، وهو في الحقيقة مضاف إلى جوهر ذات الإنسان . المسألة الرابعة : قوله : { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } يقتضي أن ذلك العقاب كالأمر المتولد من الفعل الذي صدر عنه ، وقد عرفت أن العقاب إنما يتولد من العقائد الباطلة التي يكتبها الإنسان ، ومن الملكات الراسخة التي يكتسبها الإنسان ، فكان هذا الكلام مطابقاً للمعقول . ثم قال تعالى : { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ } وفيه مسائل : المسألة الأولى : في محل أن وجهان : أحدهما : النصب بنزع الخافض يعني بأن الله : والثاني : أنك إن جعلت قوله : { ذٰلِكَ } في موضع رفع جعلت أن في موضع رفع أيضاً ، بمعنى وذلك أن الله قال الكسائي ولو كسرت ألف أن على الابتداء كان صواباً ، وعلى هذا التقدير : يكون هذا كلاماً مبتدأ منقطعاً عما قبله . المسألة الثانية : قالت المعتزلة : لو كان تعالى يخلق الكفر في الكافر ، ثم يعذبه عليه لكان ظالماً ، وأيضاً قوله تعالى : { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ } يدل على أنه تعالى إنما لم يكن ظالماً بهذا العذاب ، لأنه قدم ما استوجب عليه هذا العذاب ، وذلك يدل على أنه لو لم يصدر منه ذلك التقديم لكان الله تعالى ظالماً في هذا العذاب ، فلو كان الموجد للكفر والمعصية هو الله لا العبد لوجب كون الله ظالماً ، وأيضاً تدل هذه الآية على كونه قادراً على الظلم ، إذ لو لم يصح منه لما كان في التمدح بنفيه فائدة . واعلم أن هذه المسألة قد سبق ذكرها على الاستقصاء في سورة آل عمران ، فلا فائدة في الإعادة . والله أعلم .