Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 82, Ayat: 1-5)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن المراد أنه إذا وقعت هذه الأشياء التي هي أشراط الساعة ، فهناك يحصل الحشر والنشر ، وفي تفسير هذه الآيات مقامات الأول : في تفسير كل واحد من هذه الأشياء التي هي أشراط الساعة وهي ههنا أربعة ، اثنان منها تتعلق بالعلويات ، واثنان آخران تتعلق بالسفليات الأول : قوله : { إِذَا ٱلسَّمَاء ٱنفَطَرَتْ } أي انشقت وهو كقوله : { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَاء * بِـٱلْغَمَامِ } [ الفرقان : 25 ] ، { إِذَا ٱلسَّمَاء ٱنشَقَّتْ } [ الإنشقاق : 1 ] ، { فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَٱلدّهَانِ } [ الرحمن : 37 ] ، { وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوٰباً } [ النبأ : 19 ] و { السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ } [ المزمل : 18 ] قال الخليل : ولم يأت هذا على الفعل ، بل هو كقولهم : مرضع وحائض ، ولو كان على الفعل لكان منفطرة كما قال : { إِذَا ٱلسَّمَاء ٱنفَطَرَتْ } أما الثاني وهو قوله : { وَإِذَا ٱلْكَوَاكِبُ ٱنتَثَرَتْ } فالمعنى ظاهر لأن عند انتقاض تركيب السماء لا بد من انتثار الكواكب على الأرض . واعلم أنا ذكرنا في بعض السورة المتقدمة أن الفلاسفة ينكرون إمكان الخرق والالتئام على الأفلاك ، ودليلنا على إمكان ذلك أن الأجسام متماثلة في كونها أجساماً ، فوجب أن يصح على كل واحد منها ما يصح على الآخر ، إنما قلنا : إنها متماثلة لأنه يصح تقسيمها إلى السماوية والأرضية ومورد التقسيم مشترك بين القسمين ، فالعلويات والسفليات مشتركة في أنها أجسام ، وإنما قلنا : إنه متى كان كذلك وجب أن يصح على العلويات ما يصح على السفليات ، لأن المتماثلات حكمها واحد فمتى يصح حكم على واحد منها ، وجب أن يصح على الباقي ، وأما الإثنان السفليان : فأحدهما : قوله : { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ فُجّرَتْ } وفيه وجوه أحدهما : أنه ينفذ بعض البحار في البعض بارتفاع الحاجز الذي جعله الله برزخاً ، وحينئذ يصير الكل بحراً واحداً ، وإنما يرتفع ذلك الحاجز لتزلزل الأرض وتصدعها . وثانيها : أن مياه البحار الآن راكدة مجتمعة ، فإذا فجرت تفرقت وذهب ماؤها وثالثها : قال الحسن : فجرت أي يبست . واعلم أن على الوجوه الثلاثة ، فالمراد أنه تتغير البحار عن صورتها الأصلية وصفتها ، وهو كما ذكر أنه تغير الأرض عن صفتها في قوله : { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ } [ ابراهيم : 48 ] وتغير الجبال عن صفتها في قوله : { فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبّي نَسْفاً فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً } [ طه : 106105 ] ورابعها : قرأ بعضهم : { فُجّرَتْ } بالتخفيف ، وقرأ مجاهد : { فُجّرَتْ } على البناء للفاعل والتخفيف ، بمعنى بغت لزوال البرزخ نظراً إلى قوله : { لاَّ يَبْغِيَانِ } [ الرحمن : 20 ] لأن البغي والفجور أخوان . وأما الثاني : فقوله : { وَإِذَا ٱلْقُبُورُ بُعْثِرَتْ } فاعلم أن بعثر وبحثر بمعنى واحد ، ومركبان من البعث والبحث مع راء مضمومة إليهما ، والمعنى أثيرت وقلب أسفلها أعلاها وباطنها ظاهرها ، ثم ههنا وجهان أحدهما : أن القبور تبعثر بأن يخرج ما فيها من الموتى أحياء ، كما قال تعالى : { وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا } [ الزلزلة : 2 ] والثاني : أنها تبعثر لإخراج ما في بطنها من الذهب والفضة ، وذلك لأن من أشراط الساعة أن تخرج الأرض أفلاذ كبدها من ذهبها وفضتها ، ثم يكون بعد ذلك خروج الموتى ، والأول أقرب ، لأن دلالة القبور على الأول أتم . المقام الثاني : في فائدة هذا الترتيب ، واعلم أن المراد من هذه الآيات بيان تخريب العالم وفناء الدنيا ، وانقطاع التكاليف ، والسماء كالسقف ، والأرض كالبناء ، ومن أراد تخريب دار ، فإنه يبدأ أولاً بتخريب السقف ، وذلك هو قوله : { إِذَا ٱلسَّمَاء ٱنفَطَرَتْ } ثم يلزم من تخريب السماء انتثار الكواكب ، وذلك هو قوله : { وَإِذَا ٱلْكَوَاكِبُ ٱنتَثَرَتْ } ثم إنه تعالى بعد تخريب السماء والكواكب يخرب كل ما على وجه الأرض وهو قوله : { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ فُجّرَتْ } ثم إنه تعالى يخرب آخر الأمر الأرض التي هي البناء ، وذلك هو قوله : { وَإِذَا ٱلْقُبُورُ بُعْثِرَتْ } فإنه إشارة إلى قلب الأرض ظهراً لبطن ، وبطناً لظهر . المقام الثالث : في تفسير قوله : { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ } وفيه احتمالان الأول : أن المراد بهذه الأمور ذكر يوم القيامة ، ثم فيه وجوه أحدها : وهو الأصح أن المقصود منه الزجر عن المعصية ، والترغيب في الطاعة ، أي يعلم كل أحد في هذا اليوم ماقدم ، فلم يقصر فيه وما أخر فقصر فيه ، لأن قوله : { مَّا قَدَّمَتْ } يقتضي فعلاً و { مَا أخرت } يقتضي تركاً ، فهذا الكلام يقتضي فعلاً وتركاً وتقصيراً وتوفيراً ، فإن كان قدم الكبائر وأخر العمل الصالح فمأواه النار ، وإن كان قدم العمل الصالح وأخر الكبائر فمأواه الجنة وثانيها : ما قدمت من عمل أدخله في الوجود وماأخرت من سنة يستن بها من بعده من خير أو شر وثالثها : قال الضحاك : ما قدمت من الفرائض وما أخرت أي ما ضيعت ورابعها : قال أبو مسلم : ما قدمت من الأعمال في أول عمرها وما أخرت في آخر عمرها ، فإن قيل : وفي أي موقف من مواقف القيامة يحصل هذا العلم ؟ قلنا : أما العلم الإجمالي فيحصل في أول زمان الحشر ، لأن المطيع يرى آثار السعادة ، والعاصي يرى آثار الشقاوة في أول الأمر . وأما العلم التفصيل ، فإنما يحصل عند قراءة الكتب والمحاسبة . الاحتمال الثاني : أن يكون المراد قيل : قيام القيامة بل عند ظهور أشراط الساعة وانقطاع التكاليف ، وحين لا ينفع العمل بعد ذلك كما قال : { لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِى إِيمَـٰنِهَا خَيْرًا } [ الأنعام : 158 ] فيكون ما عمله الإنسان إلى تلك الغاية ، هو أول أعماله وآخرها ، لأنه لا عمل له بعد ذلك ، وهذا القول ذكره القفال .