Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 83, Ayat: 4-6)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنه تعالى وبخ هؤلاء المطففين فقال : { أَلا يَظُنُّ أُوْلَـئِكَ } الذين يطففون { أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ } وهو يوم القيامة ، وفي الظن ههنا قولان : الأول : أن المراد منه العلم ، وعلى هذا التقدير يحتمل أن يكون المخاطبون بهذا الخطاب من جملة المصدقين بالبعث ، ويحتمل أن لا يكونوا كذلك أما الاحتمال الأول : فهو ما روي أن المسلمين من أهل المدينة وهم الأوس والخزرج كانوا كذلك ، وحين ورد النبي صلى الله عليه وسلم كان ذلك شائعاً فيهم ، وكانوا مصدقين بالبعث والنشور ، فلا جرم ذكروا به ، وأما إن قلنا : بأن المخاطبين بهذه الآية ما كانوا مؤمنين بالبعث إلا أنهم كانوا متمكنين من الاستدلال عليه ، لما في العقول من إيصال الجزاء إلى المحسن والمسيء ، أو إمكان ذلك إن لم يثبت وجوبه ، وهذا مما يجوز أن يخاطب به من ينكر البعث ، والمعنى ألا يتفكرون حتى يعلموا أنهم مبعوثون ، لكنهم قد أعرضوا عن التفكر ، وأراحوا أنفسهم عن متاعبه ومشاقه ، وإنما يجعل العلم الاستدلال ظناً ، لأن أكثر العلوم الاستدلالية راجع إلى الأغلب في الرأي ، ولم يكن كالشك الذي يعتدل الوجهان فيه لا جرم سمي ذلك ظناً القول الثاني : أن المراد من الظن ههنا هو الظن نفسه لا العلم ، ويكون المعنى أن هؤلاء المطففين هب أنهم لا يجزمون بالبعث ولكن لا أقل من الظن ، فإن الأليق بحكمة الله ورحمته ورعايته مصالح خلقه أن لا يهمل أمرهم بعد الموت بالكلية ، وأن يكون لهم حشر ونشر ، وأن هذا الظن كاف في حصول الخوف ، كأنه سبحانه وتعالى يقول : هب أن هؤلاء لا يقطعون به أفلا يظنونه أيضاً ، فأما قوله تعالى : { يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } ففيه مسائل : المسألة الأولى : قرىء { يَوْمٍ } بالنصب والجر ، أما النصب فقال الزجاج : يوم منصوب بقوله { مَّبْعُوثُونَ } والمعنى ألا يظنون أنهم يبعثون يوم القيامة ، وقال الفراء : وقد يكون في موضع خفض إلا أنه أضيف إلى يفعل فنصب ، وهذا كما ذكرنا في قوله : { يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ } وأما الجر فلكونه بدلاً من { يَوْمٍ عَظِيمٍ } . المسألة الثانية : هذا القيام له صفات : الصفة الأولى : سببه وفيه وجوه أحدها : وهو الأصح أن الناس يقومون لمحاسبة رب العالمين ، فيظهر هناك هذا التطفيف الذي يظن أنه حقير ، فيعرف هناك كثرته واجتماعه ، ويقرب منه قوله تعالى : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } [ الرحمن : 46 ] وثانيها : أنه سبحانه يرد الأرواح إلى أجسادها فتقوم تلك الأجساد من مراقدها ، فذاك هو المراد من قوله : { يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } وثالثها : قال أبو مسلم معنى : { يَقُومُ ٱلنَّاسُ } هو كقوله : { وَقُومُواْ لِلَّهِ قَـٰنِتِينَ } [ البقرة : 238 ] أي لعبادته فقوله : { يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي لمحض أمره وطعته لا لشيء آخر ، على ما قرره في قوله : { وَٱلاْمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } . الصفة الثانية : كيفية ذلك القيام ، روي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } قال : " " يقوم أحدكم في رشحه إلى أنصاف أذنيه " " وعن ابن عمر : أنه قرأ هذه السورة ، فلما بلغ قوله { يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } بكى نحيباً حتى عجز عن قراءة ما بعده » . الصفة الثالثة : كمية ذلك القيام ، روى عنه عليه السلام أنه قال : " " يقوم الناس مقدار ثلثمائة سنة من الدنيا لا يؤمر فيهم بأمر " " وعن ابن مسعود : " " يمكثون أربعين عاماً ثم يخاطبون " " وقال ابن عباس : وهو في حق المؤمنين كقدر انصرافهم من الصلاة . واعلم أنه سبحانه جمع في هذه الآية أنواعاً من التهديد ، فقال أولا : { وَيْلٌ لّلْمُطَفّفِينَ } [ المطففين : 1 ] وهذه الكلمة تذكر عند نزول البلاء ، ثم قال ثانياً : { أَلا يَظُنُّ أُوْلَـئِكَ } وهو استفهام بمعنى الإنكار ، ثم قال ثالثاً : { لِيَوْمٍ عَظِيمٍ } والشيء الذي يستعظمه الله لا شك أنه في غاية العظمة ، ثم قال رابعاً : { يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } وفيه نوعان من التهديد أحدهما : كونهم قائمين مع غاية الخشوع ونهاية الذلة والانكسار والثاني : أنه وصف نفسه بكونه رباً للعالمين ، ثم ههنا سؤال وهو كأنه قال قائل : كيف يليق بك مع غاية عظمتك أي تهيء هذا المحفل العظيم الذي هو محفل القيلة لأجل الشيء الحقير الطفيف ؟ فكأنه سبحانه يجيب ، فيقول عظمة الإلهية لا تتم إلا بالعظمة في القدرة والعظمة في الحكمة ، فعظمة القدرة ظهرت بكوني رباً للعالمين ، لكن عظمة الحكمة لا تظهر إلا بأن انتصف للمظلوم من الظالم بسبب ذلك القدر الحقير الطفيف ، فإن الشيء كلما كان أحقر وأصغر كان العلم الواصل إليه أعظم وأتم ، فلأجل إظهار العظمة في الحكمة أحضرت خلق الأولين والآخرين في محفل القيامة ، وحاسبت المطفف لأجل ذلك القدر الطفيف . وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري : لفظ المطفف يتناول التطفيف في الوزن والكيل ، وفي إظهار العيب وإخفائه ، وفي طلب الإنصاف والانتصاف ، ويقال : من لم يرض لأخيه المسلم ما يرضاه لنفسه ، فليس بمنصف والمعاشرة والصحبة من هذه الجملة ، والذي يرى عيب الناس ، ولا يرى عيب نفسه من هذه الجملة ، ومن طلب حق نفسه من الناس ، ولا يعطيهم حقوقهم كما يطلبه لنفسه ، فهو من هذه الجملة والفتى من يقضي حقوق الناس ولا يطلب من أحد لنفسه حقاً .