Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 85, Ayat: 17-22)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أنه تعالى لما بين حال أصحاب الأخدود في تأذي المؤمنين بالكفار ، بين أن الذين كانوا قبلهم كانوا أيضاً كذلك ، واعلم أن فرعون وثمود بدل من الجنود ، وأراد بفرعون إياه وقومه كما في قوله { من فرعون وملئهم } [ يونس : 83 ] وثمود ، كانوا في بلاد العرب ، وقصتهم عندهم مشهورة فذكر تعالى من المتأخرين فرعون ، ومن المتقدمين ثمود ، والمقصود بيان أن حال المؤمنين مع الكفار في جميع الأزمنة مستمرة على هذا النهج ، وهذا هو المراد من قوله : { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِى تَكْذِيبٍ } ولما طيب قلب الرسول عليه السلام بحكاية أحوال الأولين في هذا الباب سلاه بعد ذلك من وجه آخر ، وهو قوله : { وَٱللَّهُ مِن وَرَائِهِمْ مُّحِيطٌ } وفيه وجوه أحدها : أن المراد وصف اقتداره عليهم وأنهم في قبضته وحوزته ، كالمحاط إذا أحيط به من ورائه فسد عليه مسلكه ، فلا يجد مهرباً يقول تعالى : فهو كذا في قبضتي وأنا قادر على إهلاكهم ومعاجلتهم بالعذاب على تكذيبهم إياك فلا تجزع من تكذيبهم إياك ، فليسوا يفوتونني إذا أردت الانتقام منهم وثانيها : أن يكون المراد من هذه الإحاطة قرب هلاكهم كقول تعالى : { وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا } [ الفتح : 21 ] وقوله : { وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ } [ الإسراء : 60 ] وقوله : { وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ } [ يونس : 22 ] فهذا كله عبارة عن مشارفة الهلاك ، يقول : فهؤلاء في تكذيبك قد شارفوا الهلاك وثالثها : أن يكون المراد والله محيط بأعمالهم ، أي عالم بها ، فهو مرصد بعقابهم عليها ، ثم إنه تعالى سلى رسوله بعد ذلك بوجه ثالث ، وهو قوله : { بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ } وفيه مسائل : المسألة الأولى : تعلق هذا بما قبله ، هو أن هذا القرآن مجيد مصون عن التغير والتبدل ، فلما حكم فيه بسعادة قوم وشقاوة قوم ، وبتأذي قوم من قوم ، امتنع تغيره وتبدله ، فوجب الرضا به ، ولا شك أن هذا من أعظم موجبات التسلية . المسألة الثانية : قرىء : { قرآنٌ مجيد } بالإضافة ، أي قرآن رب مجيد ، وقرأ يحيـى بن يعمر في لوح واللوح الهواء يعني اللوح فوق السماء السابعة الذي فيه اللوح المحفوظ ، وقرىء محفوظ بالرفع صفة للقرآن كما قلنا : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَـٰفِظُونَ } [ الحجر : 9 ] . المسألة الثالثة : أنه تعالى قال ههنا : { فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ } وقال في آية أخرى : { إِنَّهُ لَقُرْءانٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَـٰبٍ مَّكْنُونٍ } [ الواقعة : 7877 ] فيحتمل أن يكون الكتاب المكنون واللوح المحفوظ واحداً ثم كونه محفوظاً يحتمل أن يكون المراد كونه محفوظاً عن أن يمسه إلا المطهرون ، كما قال تعالى : { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } [ الواقعة : 79 ] ويحتمل أن يكون المراد كونه محفوظاً من اطلاع الخلق عليه سوى الملائكة المقربين ويحتمل أن يكون المراد أن لا يجري عليه تغيير وتبديل . المسألة الرابعة : قال بعض المتكلمين إن اللوح شيء يلوح للملائكة فيقرؤنه ولما كانت الأخبار والآثار واردة بذلك وجب التصديق ، والله سبحانه وتعالى أعلم . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .