Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 86, Ayat: 1-4)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أنه تعالى أكثر في كتابه ذكر السماء والشمس والقمر لأن أحوالها في أشكالها وسيرها ومطالعها ومغاربها عجيبة ، وأما الطارق فهو كل ما أتاك ليلاً سواء كان كوكباً أو غيره فلا يكون الطارق نهاراً ، والدليل عليه قول المسلمين في دعائهم : نعوذ بالله من طوارق الليل وروي أنه عليه السلام : " " نهى عن أن يأتي الرجل أهله طروقاً " " والعرب تستعمل الطروق في صفة الخيال لأن تلك الحالة إنما تحصل في الأكثر في الليل ، ثم إنه تعالى لما قال : { وَٱلطَّارِقِ } كان هذا مما لايستغنى سامعه عن معرفة المراد منه ، فقال : { وَمَا أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ } قال سفيان بن عيينة : كل شيء في القرآن ما أدراك فقد أخبر الرسول به وكل شيء فيه ما يدريك لم يخبر به كقوله : { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ } [ الشورى : 17 ] ثم قال : { ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } أي هو طارق عظيم الشأن ، رفيع القدر وهو النجم الذي يهتدى به في ظلمات البر والبحر ويوقف به على أوقات الأمطار ، وههنا مسائل : المسألة الأولى : إنما وصف النجم بكونه ثاقباً لوجوه أحدها : أنه يثقب الظلام بضوئه فينفذ فيه كما قيل : درىء لأنه يدرؤه أي يدفعه وثانيها : أنه يطلع من المشرق نافذاً في الهواء كالشيء الذي يثقب الشيء وثالثها : أنه الذي يرى به الشيطان فيثقبه أي ينفذ فيه ويحرقه ورابعها : قال الفراء : { ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } هو النجم المرتفع على النجوم ، والعرب تقول للطائر إذا لحق ببطن السماء ارتفاعاً : قد ثقب . المسألة الثانية : إنما وصف النجم بكونه طارقاً ، لأنه يبدو بالليل ، وقد عرفت أن ذلك يسمى طارقاً ، أو لأنه يطرق الجني ، أي صكه . المسألة الثالثة : اختلفوا في قوله : { ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } قال بعضهم : أشير به إلى جماعة النحو فقيل الطارق ، كما قيل : { إِنَّ ٱلإنسَـٰنَ لَفِي خُسْرٍ } [ العصر : 2 ] وقال آخرون : إنه نجم بعينه ، ثم قال ابن زيد : إنه الثريا ، وقال الفراء : إنه زحل ، لأنه يثقب بنوره سمك سبع سموات ، وقال آخرون : إنه الشهب التي يرجم بها الشياطين ، لقوله تعالى : { فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } [ الصافات : 10 ] . المسألة الرابعة : روي أن أبا طالب أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتحفه بخبز ولبن ، فبينما هو جالس يأكل إذ انحط نجم فامتلأ ماء ثم ناراً ، ففزع أبو طالب ، وقال : أي شيء هذا ؟ فقال : هذا نجم رمي به ، وهو آية من آيات الله ، فعجب أبو طالب ، ونزلت السورة . واعلم أنه تعالى لما ذكر المقسم به أتبعه بذكر المقسم عليه : { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } وفيه مسائل : المسألة الأولى : في قوله : { لَّمّاً } قراءتان إحداهما : قراءة ابن كثير وأبي عمرو ونافع والكسائي ، وهي بتخفيف الميم والثانية : قراءة عاصم وحمزة والنخعي بتشديد الميم . قال أبو علي الفاسي : من خفف كانت { إن } عنده المخففة من الثقيلة ، واللام في { لَّمّاً } هي التي تدخل مع هذه المخففة لتخلصها من إن النافية ، وما صلة كالتي في قوله : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 159 ] { وعما قليل } [ المؤمنون : 40 ] وتكون { إن } متلقية للقسم ، كما تتلقاه مثقلة . وأما من ثقل فتكون { إن } عنده النافية ، كالتي في قوله : { فيما إِن مكنـاكم } [ الأحقاف : 26 ] و { لَّمّاً } في معنى ألا ، قال : وتستعمل { لَّمّاً } بمعنى ألا في موضعين أحدهما : هذا والآخر : في باب القسم ، تقول : سألتك بالله لما فعلت ، بمعنى ألا فعلت . وروى عن الأخفش والكسائي وأبي عبيدة أنهم قالوا : لم توجد لما بمعنى ألا في كلام العرب . قال ابن عون : قرأت عند ابن سيرين لما بالتشديد ، فأنكره وقال : سبحان الله ، سبحان الله ، وزعم العتبي أن { لَّمّاً } بمعنى ألا ، مع أن الخفيفة التي تكون بمعنى ما موجودة في لغة هذيل . المسألة الثانية : ليس في الآية بيان أن هذا الحافظ من هو ، وليس فيها أيضاً بيان أن الحافظ يحفظ النفس عماذا . أما الأول : ففيه قولان : الأول : قول بعض المفسرين : أن ذلك الحافظ هو الله تعالى . أما في التحقيق فلأن كل وجود سوى الله ممكن ، وكل ممكن فإنه لا يترجح وجوده على عدمه إلا لمرجح وينتهي ذلك إلى الواجب لذاته ، فهو سبحانه القيوم الذي بحفظه وإبقائه تبقى الموجودات ، ثم إنه تعالى بين هذا المعنى في السموات والأرض على العموم في قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ } [ فاطر : 41 ] وبينه في هذه الآية في حق الإنسان على الخصوص وحقيقة الكلام ترجع إلى أنه تعالى أقسم أن كل ما سواه ، فإنه ممكن الوجود محدث محتاج مخلوق مربوب هذا إذا حملنا النفس على مطلق الذات ، أما إذا حملناها على النفس المتنفسة وهي النفس الحيوانية أمكن أن يكون المراد من كونه تعالى حافظاً لها كونه تعالى عالماً بأحوالها وموصلاً إليها جميع منافعها ودافعاً عنها جميع مضارها . والقول الثاني : أن ذلك الحافظ هم الملائكة كما قال : { وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً } [ الأنعام : 61 ] وقال : { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشّمَالِ قَعِيدٌ * مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ ق : 1817 ] وقال : { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَـٰفِظِينَ * كِرَاماً كَـٰتِبِينَ } [ الإنفطار : 1110 ] وقال : { لَهُ مُعَقّبَـٰتٌ مّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } [ الرعد : 11 ] . وأما البحث الثاني : وهو أنه ما الذي يحفظه هذا الحافظ ؟ ففيه وجوه أحدها : أن هؤلاء الحفظة يكتبون عليه أعماله دقيقها وجليلها حتى تخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً وثانيها : { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } يحفظ عملها ورزقها وأجلها ، فإذا استوفى الإنسان أجله ورزقه قبضه إلى ربه ، وحاصله يرجع إلى وعيد الكفار وتسلية النبي صلى الله عليه وسلم كقوله : { فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نعد لهم عداً } [ مريم : 84 ] ثم ينصرفون عن قريب إلى الآخرة فيجازون بما يستحقونه وثالثها : إن كل نفس لما عليها حافظ ، يحفظها من المعاطب والمهالك فلا يصيبها إلا ما قدر الله عليها ورابعها : قال الفراء : إن كل نفس لما عليها حافظ يحفظها حتى يسلمها إلى المقابر ، وهذا قول الكلبي . واعلم أنه تعالى لما أقسم على أن لكل نفس حافظاً يراقبها ويعد عليها أعمالها ، فحينئذ يحق لكل أحد أن يجتهد ويسعى في تحصيل أهم المهمات ، وقد تطابقت الشرائع والعقول على أن أهم المهمات معرفة المبدأ ومعرفة المعاد ، واتفقوا على أن معرفة المبدأ مقدمة على معرفة المعاد ، فلهذا السبب بدأ الله تعالى بعد ذلك بما يدل على المبدأ .