Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 87, Ayat: 15-15)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ففيه مسائل : المسألة الأولى : ذكر المفسرون فيه وجوهاً . أحدها : قال ابن عباس : ذكر معاده وموقفه بين يدي ربه فصلى له . وأقول : هذا التفسير متعين وذلك لأن مراتب أعمال المكلف ثلاثة أولها : إزالة العقائد الفاسدة عن القلب وثانيها : استحضار معرفة الله تعالى بذاته وصفاته وأسمائه وثالثها : الاشتغال بخدمته . فالمرتبة الأولى : هي المراد بالتزكية في قوله : { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } [ الأعلى : 14 ] . وثانيها : هي المراد بقوله : { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبّهِ } فإن الذكر بالقلب ليس إلا المعرفة . وثالثها : الخدمة وهي المراد بقوله : { فَصَلَّىٰ } فإن الصلاة عبارة عن التواضع والخشوع فمن استنار قلبه بمعرفة جلال الله تعالى وكبريائه ، لا بد وأن يظهر في جوارحه وأعضائه أثر الخضوع والخشوع . وثانيها : قال قوم من المفسرين قوله : { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } يعني من تصدق قبل مروره إلى العيد : { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبّهِ فَصَلَّىٰ } يعني ثم صلى صلاة العيد بعد ذلك مع الإمام . وهذا قول عكرمة وأبي العالية وابن سيرين وابن عمر وروي ذلك مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا التفسير فيه إشكال من وجهين الأول : أن عادة الله تعالى في القرآن تقديم ذكر الصلاة على ذكر الزكاة لا تقديم الزكاة على الصلاة والثاني : قال الثعلبي : هذه السورة مكية بالإجماع ولم يكن بمكة عيد ولا زكاة فطر . أجاب الواحدي عنه بأنه لا يمتنع أن يقال : لما كان في معلوم الله تعالى أن ذلك سيكون أثنى على من فعل ذلك وثالثها : قال مقاتل : { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } [ الأعلى : 14 ] أي تصدق من ماله وذكر ربه بالتوحيد في الصلاة فصلى له ، والفرق بين هذا الوجه وما قبله أن هذا يتناول الزكاة والصلاة المفروضتين ، والوجه الأول ليس كذلك ورابعها : { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } ليس المراد منه زكاة المال بل زكاة الأعمال أي من تطهر في أعماله من الرياء والتقصير ، لأن اللفظ المعتاد أن يقال : في المال زكى ولا يقال تزكى قال تعالى : { وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ } [ فاطر : 18 ] ، وخامسها : قال ابن عباس : { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبّهِ } أي كبر في خروجه إلى العيد وصلى صلاة العيد وسادسها : المعنى وذكر اسم ربه في صلاته ولا تكون صلاته كصلاة المنافقين حيث يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً . المسألة الثانية : الفقهاء احتجوا بهذه الآية على وجوب تكبيرة الافتتاح ، واحتج أبو حنيفة رحمه الله بها على أن تكبيرة الافتتاح ليست من الصلاة ، قال : لأن الصلاة معطوفة عليها والعطف يستدعي المغايرة ، واحتج أيضاً بهذه الآية على أن الافتتاح جائز بكل اسم من أسمائه وأجاب أصحابنا بأن تقدير الآية ، وصلى فذكر اسم ربه ولا فرق بين أن تقول أكرمتني فزرتني وبين أن تقول زرتني فأكرمتني ، ولأبي حنيفة أن يقول : ترك العمل بفاء التعقيب لا يجوز من غير دليل والأولى في الجواب أن يقال : الآية تدل على مدح كل من ذكر اسم الله فصلى عقيبه وليس في الآية بيان أن ذلك الذكر هو تكبيرة الافتتاح . فلعل المراد به أن من ذكر الله بقلبه وذكر ثوابه وعقابه دعاه ذلك إلى فعل الصلاة ، فحينئذ يأتي بالصلاة التي أحد أجزائها التكبير ، وحينئذ يندفع الاستدلال . ثم قال تعالى :