Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 107-107)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنه تعالى لما ذكر أصناف المنافقين وطرائقهم المختلفة قال : { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } وفيه مسائل : المسألة الأولى : قرأ نافع وابن عامر { ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ } بغير واو ، وكذلك هو في مصاحف أهل المدينة ، والباقون بالواو ، وكذلك هو في مصاحف مكة والعراق . فالأول : على أنه بدل من قوله : { وءَاخَرُونَ مُرْجَوْنَ } والثاني أن يكون التقدير : ومنهم الذين اتخذوا مسجداً ضراراً . المسألة الثانية : قال الواحدي : قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وعامة أهل التفسير رضي الله عنهم : الذين اتخذوا مسجداً ضراراً كانوا اثني عشر رجلاً من المنافقين بنوا مسجداً يضارون به مسجد قباء ، وأقول إنه تعالى وصفه بصفات أربعة : الصفة الأولى : ضراراً ، والضرار محاولة الضر ، كما أن الشقاق محاولة ما يشق . قال الزجاج : وانتصب قوله : { ضِرَارًا } لأنه مفعول له ، والمعنى : اتخذوه للضرار ولسائر الأمور المذكورة بعده ، فلما حذفت اللام اقتضاه الفعل فنصب . قال وجائز أن يكون مصدراً محمولاً على المعنى ، والتقدير : اتخذوا مسجداً ضروا به ضراراً . والصفة الثانية : قوله : { وَكُفْراً } قال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد به ضرراً للمؤمنين وكفراً بالنبي عليه السلام ، وبما جاء به . وقال غيره اتخذوه ليكفروا فيه بالطعن على النبي عليه السلام والإسلام . الصفة الثالثة : قوله : { وَتَفْرِيقًا بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي يفرقون بواسطته جماعة المؤمنين ، وذلك لأن المنافقين قالوا نبني مسجداً فنصلي فيه ، ولا نصلي خلف محمد ، فإن أتانا فيه صلينا معه . وفرقنا بينه وبين الذين يصلون في مسجده ، فيؤدي ذلك إلى اختلاف الكلمة ، وبطلان الألفة . والصفة الرابعة : قوله : { وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } قالوا : المراد أبو عامر الراهب ، والد حنظلة الذي غسلته الملائكة ، وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاسق ، وكان قد تنصر في الجاهلية ، وترهب وطلب العلم ، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عاداه ، لأنه زالت رياسته وقال : لا أجد قوماً يقاتلونك إلا قاتلتك معهم ، ولم يزل يقاتله إلى يوم حنين ، فلما انهزمت هوازن خرج إلى الشأم ، وأرسل إلى المنافقين أن استعدوا بما استطعتم من قوة وسلاح ، وابنوا لي مسجداً فإن ذاهب إلى قيصر ، وآت من عنده بجند ، فأخرج محمداً وأصحابه . فبنوا هذا المسجد ، وانتظروا مجيء أبي عامر ليصلى بهم في ذلك المسجد . قال الزجاج : الإرصاد الانتظار . وقال ابن قتيبة : الإرصاد الانتظار مع العداوة . وقال الأكثرون : الإرصاد ، الأعداد . قال تعالى : { إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ } [ الفجر : 14 ] وقوله : { مِن قَبْلُ } يعني من قبل بناء مسجد الضرار ، ثم إنه تعالى لما وصف هذا المسجد بهذه الصفات الأربعة قال : { وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ } أي ليحلفن ما أردنا ببنائه إلا الفعلة الحسنى وهو الرفق بالمسلمين في التوسعة على أهل الضعف والعلة والعجز ، عن المصير إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وذلك أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنا قد بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة والليلة الممطرة والليلة الشاتية . ثم قال تعالى : { وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ } والمعنى : أن الله تعالى أطلع الرسول على أنهم حلفوا كاذبين . واعلم أن قوله : { وَٱلَّذِينَ } محله الرفع على الابتداء وخبره محذوف ، أي وممن ذكرنا الذين .