Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 115-116)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

في الآية مسائل : المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى لما منع المؤمنين من أن يستغفروا للمشركين ، والمسلمون كانوا قد استغفروا للمشركين قبل نزول هذه الآية ، فإنهم قبل نزول هذه الآية كانوا يستغفرون لآبائهم وأمهاتهم وسائر أقربائهم ممن مات على الكفر ، فلما نزلت هذه الآية خافوا بسبب ما صدر عنهم قبل ذلك من الاستغفار للمشركين . وأيضاً فإن أقواماً من المسلمين الذين استغفروا للمشركين ، كانوا قد ماتوا قبل نزول هذه الآية ، فوقع الخوف عليهم في قلوب المسلمين أنه كيف يكون حالهم ، فأزال الله تعالى ذلك الخوف عنهم بهذه الآية ، وبين أنه تعالى لا يؤاخذهم بعمل إلا بعد أن يبين لهم أنه يجب عليهم أن يتقوه ويحترزوا عنه . فهذا وجه حسن في النظم . وقيل : المراد إن من أول السورة إلى هذا الموضع في بيان المنع من مخالطة الكفار والمنافقين ، ووجوب مباينتهم ، والاحتراز عن موالاتهم ، فكأنه قيل : إن الإله الرحيم الكريم كيف يليق به هذا التشديد الشديد في حق هؤلاء الكفار والمنافقين ؟ فأجيب عنه بأنه تعالى لا يؤاخذ أقواماً بالعقوبة بعد إذ دعاهم إلى الرشد حتى يبين لهم ما يجب عليهم أن يتقوه ، فأما بعد أن فعل ذلك وأزاح العذر وأزال العلة فله أن يؤاخذهم بأشد أنواع المؤاخذة والعقوبة . وفي قوله تعالى : { لِيُضِلَّ } وجوه : الأول : أن المراد أنه أضله عن طريق الجنة ، أي صرفه عنه ومنعه من التوجه إليه . والثاني : قالت المعتزلة : المراد من هذا الإضلال الحكم عليهم بالضلال . واحتجوا بقول الكميت : @ وطائفة قد أكفروني بحبكم @@ وقال أبو بكر الأنباري : هذا التأويل فاسد ، لأن العرب إذا أرادوا ذلك المعنى قالوا : ضلل يضلل ، واحتجاجهم ببيت الكميت باطل ، لأنه لا يلزم من قولنا أكفر في الحكم صحة قولنا أضل . وليس كل موضع صح فيه فعل صح أفعل . ألا ترى أنه يجوز أن يقال كسره ، ولا يجوز أن يقال أكسره ، بل يجب فيه الرجوع إلى السماع . والوجه الثالث : في تفسير الآية ، وما كان الله ليوقع الضلالة في قلوبهم بعد الهدى ، حتى يكون منهم الأمر الذي به يستحق العقاب . المسألة الثانية : قالت المعتزلة : حاصل الآية أنه تعالى لا يؤاخذ أحداً إلا بعد أن يبين له كون ذلك الفعل قبيحاً ، ومنهياً عنه . وقرر ذلك بأنه عالم بكل المعلومات ، وهو قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ } وبأنه قادر على كل الممكنات ، وهو قوله : { لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ يحي ويميت } فكان التقدير : أن من كان عالماً قادراً هكذا ، لم يكن محتاجاً ، والعالم القادر الغني لا يفعل القبيح والعقاب قبل البيان . وإزالة العذر قبيح ، فوجب أن لا يفعله الله تعالى ، فنظم الآية إنما يصح إذا فسرناها بهذا الوجه ، وهذا يقتضي أنه يقبح من الله تعالى الابتداء بالعقاب وأنتم لا تقولون به . والجواب : أن ما ذكرتموه يدل على أنه تعالى لا يعاقب إلا بعد التبيين ، وإزالة العذر وإزاحة العلة ، وليس فيها دلالة على أنه تعالى ليس له ذلك ، فسقط ما ذكرتموه في هذا الباب . ثم قال تعالى : { لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ يحي ويميت } في ذكر هذا المعنى ههنا فوائد : إحداها : أنه تعالى لما أمر بالبراءة من الكفار بين أنه له ملك السموات والأرض ، فإذا كان هو ناصراً لكم ، فهم لا يقدرون على إضراركم ، وثانيها : أن القوم من المسلمين قالوا : لما أمرتنا بالانقطاع من الكفار ، فحينئذ لا يمكننا أن نختلط بآبائنا وأولادنا وإخواننا لأنه ربما كان الكثير منهم كافرين ، والمراد أنكم إن صرتم محرومين عن معاونتهم ومناصرتهم . فالإله الذي هو المالك للسموات والأرض والمحيي والمميت ناصركم ، فلا يضركم أن ينقطعوا عنكم . وثالثها : أنه تعالى لما أمر بهذه التكاليف الشاقة كأنه قال وجب عليكم أن تنقادوا لحكمي وتكليفي لكوني إلهكم ولكونكم عبيداً لي .