Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 11-12)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أنه تعالى لما بين حال من لا يرقب في الله إلا ولا ذمة ، وينقض العهد وينطوي على النفاق ويتعدى ما حد له ، بين من بعد أنهم إن أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة كيف حكمهم ، فجمع ذلك الشيء بقوله : { فَإِخوَانُكُمْ فِى ٱلدّينِ } وهو يفيد جملة أحكام الإيمان ، ولو شرح لطال . فإن قيل : المعلق على الشيء بكلمة { إن } عدم عند عدم ذلك الشيء ، فهذا يقتضي أنه متى لم توجد هذه الثلاثة لا يحصل الأخوة في الدين ، وهو مشكل لأنه ربما كان فقيراً ، أو إن كان غنياً ، لكن قبل انقضاء الحول لا تلزمه الزكاة . قلنا : قد بينا في تفسير قوله تعالى : { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ } [ النساء : 31 ] أن المعلق على الشيء بكلمة { إن } لا يلزم من عدمه عدم ذلك الشيء ، فزال هذا السؤال ، ومن الناس من قال المعلق على الشيء بكلمة { إن } عدم عند عدم ذلك الشيء ، فههنا قال المواخاة بالإسلام بين المسلمين موقوفة على فعل الصلاة والزكاة جميعاً ، فإن الله تعالى شرطها في إثبات المواخاة ، ومن لم يكن أهلاً لوجوب الزكاة عليه ، وجب عليه أن يقر بحكمها ، فإذا أقر بهذا الحكم دخل في الشرط الذي به تجب الأخوة ، وكان ابن مسعود يقول رحم الله أبا بكر ما أفقهه في الدين ، أراد به ما ذكره أبو بكر في حق مانعي الزكاة ، وهو قوله والله لا أفرق بين شيئين جمع الله بينهما بقي في قوله : { فَإِخوَانُكُمْ فِى ٱلدّينِ } بحثان : الأول : قوله : { فَإِخوَانُكُمْ } قال الفراء معناه ، فهم إخوانكم بإضمار المبتدأ كقوله تعالى : { فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم } [ الأحزاب : 5 ] أي فهم إخوانكم . الثاني : قال أبو حاتم قال أهل البصرة أجمعون الأخوة في النسب والأخوان في الصداقة ، وهذا غلط يقال للأصدقاء ، وغير الأصدقاء أخوة وأخوان . قال الله تعالى : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } [ الحجرات : 10 ] ولم يعن النسب . وقال تعالى : { أَوْ بُيُوتِ إِخْوٰنِكُمْ } [ النور : 61 ] وهذا في النسب . قال ابن عباس : حرمت هذه الآية دماء أهل القبلة . ثم قال : { وَنُفَصّلُ ٱلأَيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } قال صاحب « الكشاف » : وهذا اعتراض وقع بين الكلامين ، والمقصود الحث والتحريض على تأمل ما فصل من أحكام المشركين المعاهدين ، وعلى المحافظة عليها . ثم قال : { وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَـٰنَهُم مّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِى دِينِكُمْ } يقال نكث فلان عهده إذا نقضه بعد أحكامه كما ينكث خيط الصوف بعد إبرامه ، ومنه قوله تعالى : { مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَـٰثًا } [ النحل : 92 ] والأيمان جمع يمين بمعنى الحلف والقسم . وقيل : للحلف يمين ، وهو اسم اليد لأنهم كانوا يبسطون أيمانهم إذا حلفوا أو تحالفوا . وقيل : سمي القسم يميناً ليمين البر فيه . فقوله : { وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَـٰنَهُم } أي نقضوا عهودهم . وفيه قولان : الأول : هو قول الأكثرين إن المراد نكثهم لعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والثاني : أن المراد حمل العهد على الإسلام بعد الإيمان ، فيكون المراد ردتهم بعد الإيمان ، ولذلك قرأ بعضهم { وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَـٰنَهُم مّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ } والأول أولى للقراءة المشهورة ، ولأن الآية وردت في ناقضي العهد لأنه تعالى صنفهم صنفين ، فإذا ميز منهم من تاب لم يبق إلا من أقام على نقض العهد . وقوله : { وَطَعَنُواْ فِى دِينِكُمْ } يقال طعنه بالرمح يطعنه ، وطعن بالقول السيء يطعن . قال الليث : وبعضهم يقول : يطعن بالرمح ، ويطعن بالقول : فيفرق بينهما ، والمعنى أنهم عابوا دينكم ، وقدحوا فيه . ثم قال : { فَقَـٰتِلُواْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ } أي متى فعلوا ذلك فافعلوا هذا ، وفيه مسائل : المسألة الأولى : قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو { أَيمَّةَ ٱلْكُفْرِ } بهمزة واحدة غير ممدودة وتليين الثانية والباقون بهمزتين على التحقيق . قال الزجاج : الأصل في الأئمة أأمة ، لأنها جمع إمام ، مثل مثال وأمثلة ، لكن الميمين إذا اجتمعتا أدغمت الأولى في الثانية ، وألقيت حركتها على الهمزة ، فصارت أأمة ، فأبدلت من المكسورة الياء لكراهة اجتماع الهمزتين في كلمة واحدة . هذا هو الاختيار عند جميع النحويين . إذا عرفت هذا فنقول : قال صاحب « الكشاف » : لفظة « أئمة » همزة بعدها همزة بين بين ، والمراد بين مخرج الهمزة والياء . أما بتحقيق الهمزتين فقراءة مشهورة . وإن لم تكن مقبولة عند البصريين . وأما التصريح بالياء فليس بقراءة ، ولا يجوز أن يكون قراءة ، ومن صرح بها فهو لاحن محرف . المسألة الثانية : قوله : { فَقَـٰتِلُواْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ } معناه قاتلوا الكفار بأسرهم ، إلا أنه تعالى خص الأئمة والسادة منهم الذكر ، لأنهم هم الذين يحرضون الأتباع على هذه الأعمال الباطلة . المسألة الثالثة : قال الزجاج : هذه الآية توجب قتل الذمي إذا أظهر الطعن في الإسلام ، لأن عهده مشروط بأن لا يطعن ، فإن طعن فقد نكث ونقض عهدهم . ثم قال تعالى : { إِنَّهُمْ لا أَيْمَـٰنَ لَهُمْ } قرأ ابن عامر { لا أَيْمَـٰنَ لَهُمْ } بكسر الألف ولها وجهان : أحدها : لا أمان لهم ، أي لا تؤمنوهم . فيكون مصدراً من الإيمان الذي هو ضد الإخافة ، والثاني : أنهم كفرة لا إيمان لهم ، أي لا تصديق ولا دين لهم ، والباقون بفتح الهمزة وهو جمع يمين ، ومعناه لا أيمان لهم على الحقيقة . وأيمانهم ليست بأيمان ، وبه تمسك أبو حنيفة رحمه الله في أن يمين الكافر لا يكون يميناً ، وعند الشافعي رحمه الله يمينهم يمين ، ومعنى هذه الآية عنده : أنهم لما لم يفوا بها صارت أيمانهم كأنها ليست بأيمان . والدليل على أن أيمانهم أيمان ، أنه تعالى وصفها بالنكث في قوله : { وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَـٰنَهُم } ولو لم يكن منعقداً لما صح وصفها بالنكث . ثم قال تعالى : { لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ } وهو متعلق بقوله : { فَقَـٰتِلُواْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ } أي ليكن غرضكم في مقاتلتهم بعدما وجد منهم ما وجد من العظائم أن تكون المقاتلة سبباً في انتهائهم عما هم عليه من الكفر ، وهذا من غاية كرم الله وفضله على الإحسان .