Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 32-32)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أن المقصود منه بيان نوع ثالث من الأفعال القبيحة الصادرة عن رؤساء اليهود والنصارى ، وهو سعيهم في إبطال أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، وجدهم في إخفاء الدلائل الدالة على صحة شرعه وقوة دينه ، والمراد من النور : الدلائل الدالة على صحة نبوته ، وهي أمور كثيرة جداً . أحدها : المعجزات القاهرة التي ظهرت على يده ، فإن المعجز إما أن يكون دليلاً على الصدق أو لا يكون ، فإن كان دليلاً على الصدق ، فحيث ظهر المعجز لا بد من حصول الصدق ، فوجب كون محمد صلى الله عليه وسلم صادقاً ، وإن لم يدل على الصدق قدح ذلك في نبوة موسى وعيسى عليهما السلام . وثانيها : القرآن العظيم الذي ظهر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم مع أنه من أول عمره إلى آخره ما تعلم وما طالع وما استفاد وما نظر في كتاب ، وذلك من أعظم المعجزات . وثالثها : أن حاصل شريعته تعظيم الله والثناء عليه ، والانقياد لطاعته وصرف النفس عن حب الدنيا ، والترغيب في سعادات الآخرة . والعقل يدل على أنه لا طريق إلى الله إلا من هذا الوجه . ورابعها : أن شرعه كان خالياً عن جميع العيوب ، فليس فيه إثبات ما لا يليق بالله ، وليس فيه دعوة إلى غير الله ، وقد ملك البلاد العظيمة ، وما غير طريقته في استحقار الدنيا ، وعدم الالتفات إليها ، ولو كان مقصوده طلب الدنيا لما بقي الأمر كذلك ، فهذه الأحوال دلائل نيرة وبراهين قاهرة في صحة قوله ، ثم إنهم بكلماتهم الركيكة وشبهاتهم السخيفة ، وأنواع كيدهم ومكرهم ، أرادوا إبطال هذه الدلائل ، فكان هذا جارياً مجرى من يريد إبطال نور الشمس بسبب أن ينفخ فيها ، وكما أن ذلك باطل وعمل ضائع ، فكذا ههنا ، فهذا هو المراد من قوله : { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوٰهِهِمْ } ثم إنه تعالى وعد محمداً صلى الله عليه وسلم مزيد النصرة والقوة وإعلاء الدرجة وكمال الرتبة فقال : { وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ } . فإن قيل : كيف جاز أبى الله إلا كذا ، ولا يقال كرهت أو أبغضت إلا زيداً ؟ قلنا : أجرى أَبَىٰ مجرى لم يرد ، والتقدير : ما أراد الله إلا ذلك ، إلا أن الإباء يفيد زيادة عدم الإرادة وهي المنع والامتناع ، والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : " " وإن أرادوا ظلمنا أبينا " " فامتدح بذلك ، ولا يجوز أن يمتدح بأنه يكره الظلم ، لأن ذلك يصح من القوي والضعيف ، ويقال : فلان أبى الضيم ، والمعنى ما ذكرناه ، وإنما سمى الدلائل بالنور لأن النور يهدي إلى الصواب فكذلك الدلائل تهدي إلى الصواب في الأديان .