Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 3-3)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن قوله : { بَرَاءةٌ مّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ التوبة : 1 ] جملة تامة ، مخصوصة بالمشركين ، وقوله : { وَأَذَانٌ مّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْحَجّ ٱلأَكْبَرِ } جملة أخرى تامة معطوفة على الجملة الأولى وهي عامة في حق جميع الناس ، لأن ذلك مما يجب أن يعرفه المؤمن والمشرك من حيث كان الحكم المتعلق بذلك يلزمهما جميعاً ، فيجب على المؤمنين أن يعرفوا الوقت الذي يكون فيه القتال من الوقت الذي يحرم فيه ، فأمر الله تعالى بهذا الإعلام يوم الحج الأكبر ، وهو الجمع الأعظم ليصل ذلك الخبر إلى الكل ويشتهر . وفيه مسائل : المسألة الأولى : الأذان الأعلام . قال الأزهري : يقال آذنته أوذنه إيذاناً ، فالأذان اسم يقوم مقام الإيذان ، وهو المصدر الحقيقي ، ومنه أذان الصلاة . وقوله : { مّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلنَّاسِ } أي أذان صادر من الله ورسوله ، واصل إلى الناس ، كقولك : إعلام صادر من فلان إلى فلان . المسألة الثانية : اختلفوا في يوم الحج الأكبر . فقال ابن عباس في رواية عكرمة إنه يوم عرفة ، وهو قول عمر وسعيد بن المسيب وابن الزبير وعطاء وطاوس ومجاهد ، وإحدى الروايتين عن علي : ورواية عن المسور بن مخرمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو أنه ، قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة . فقال : " " أما بعد فإن هذا يوم الحج الأكبر . " " وقال ابن عباس : في رواية عطاء : يوم الحج الأكبر يوم النحر ، وهو قول الشعبي والنخعي والسدي وأحد الروايتين عن علي ، وقول المغيرة بن شعبة وسعيد بن جبير . والقول الثالث ما رواه ابن جريج عن مجاهد أنه قال : يوم الحج الأكبر أيام منى كلها ، وهو مذهب سفيان الثوري ، وكان يقول يوم الحج الأكبر أيامه كلها ، ويقول يوم صفين ، ويوم الجمل يراد به الحين والزمان ، لأن كل حرب من هذه الحروب دامت أياماً كثيرة . حجة من قال يوم عرفة قوله عليه الصلاة والسلام : " " الحج عرفة " " ولأن أعظم أعمال الحج هو الوقوف بعرفة ، لأن من أدركه ، فقد أدرك الحج ، ومن فاته فقد فاته الحج . وذلك إنما يحصل في هذا اليوم . وحجة من قال إنه يوم النحر ، هي أن أعمال الحج إنما تتم في هذا اليوم ، وهي الطواف والنحر والحلق والرمي ، وعن علي رضي الله عنه أن رجلاً أخذ بلجام دابته فقال : ما الحج الأكبر . قال : يومك هذا ، خل عن دابتي ، وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقف يوم النحر عند الجمرات في حجة الوداع . " " فقال هذا يوم الحج الأكبر ، " " وأما قول من قال المراد مجموع تلك الأيام ، فبعيد لأنه يقتضي تفسير اليوم بالأيام الكثيرة ، وهو خلاف الظاهر . فإن قيل : لم سمي ذلك بالحج الأكبر ؟ قلنا فيه وجوه : الأول : أن هذا هو الحج الأكبر ، لأن العمرة تسمى الحج الأصغر . الثاني : أنه جعل الوقوف بعرفة هو الحج الأكبر لأنه معظم واجباته ، لأنه إذا فات الحج ، وكذلك إن أريد به يوم النحر ، لأن ما يفعل فيه معظم أفعال الحج الأكبر . الثالث : قال الحسن : سمي ذلك اليوم بيوم الحج الأكبر لاجتماع المسلمين والمشركين فيه ، وموافقته لأعياد أهل الكتاب ، ولم يتفق ذلك قبله ولا بعده ، فعظم ذلك اليوم في قلب كل مؤمن وكافر . طعن الأصم في هذا الوجه وقال : عيد الكفار فيه سخط ، وهذا الطعن ضعيف ، لأن المراد أن ذلك اليوم يو استعظمه جميع الطوائف ، وكان من وصفه بالأكبر أولئك . والرابع : سمي بذلك لأن المسلمين والمشركين حجوا في تلك السنة . والخامس : الأكبر الوقوف بعرفة ، والأصغر النحر ، وهو قول عطاء ومجاهد . السادس : الحج الأكبر القران والأصغر الإفراد ، وهو منقول عن مجاهد . ثم إنه تعالى بين أن ذلك الأذان بأي شيء كان ؟ فقال : { أَنَّ ٱللَّهَ بَرِىء مّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ } وفيه مباحث : البحث اللأول : لقائل أن يقول : لا فرق بين قوله : { بَرَاءةٌ مّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } وبين قوله { أَنَّ ٱللَّهَ بَرِىء مّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ } فما الفائدة في هذا التكرير ؟ والجواب عنه من وجوه : الوجه الأول : أن المقصود من الكلام الأول الإخبار بثبوت البراءة ، والمقصود من هذا الكلام إعلام جميع الناس بما حصل وثبت . والوجه الثاني : أن المراد من الكلام الأول البراءة من العهد ، ومن الكلام الثاني البراءة التي هي نقيض الموالاة الجارية مجرى الزجر والوعيد ، والذي يدل على حصول هذا الفرق أن في البراءة الأولى برىء إليهم ، وفي الثانية : برىء منهم ، والمقصود أنه تعالى أمر في آخر سورة الأنفال المسلمين بأن يوالي بعضهم بعضاً ، ونبه به على أنه يجب عليهم أن لا يوالوا الكفار وأن يتبرؤا منهم ، فههنا بين أنه تعالى كما يتولى المؤمنين فهو يتبرأ عن المشركين ويذمهم ويلعنهم ، وكذلك الرسول ، ولذلك أتبعه بذكر التوبة المزيلة للبراءة . والوجه الثالث : في الفرق أنه تعالى في الكلام الأول ، أظهر البراءة عن المشركين الذين عاهدوا ونقضوا العهد . وفي هذه الآية أظهر البراءة عن المشركين من غير أن وصفهم بوصف معين ، تنبيهاً على أن الموجب لهذه البراءة كفرهم وشركهم . البحث الثاني : قوله : { أَنَّ ٱللَّهَ بَرِىء مّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } فيه حذف والتقدير : { وَأَذَانٌ مّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } بأن الله بريء من المشركين إلا أنه حذف الباء لدلالة الكلام عليه . واعلم أن في رفع قوله : { وَرَسُولُهُ } وجوهاً : الأول : أنه رفع بالابتداء وخبره مضمر ، والتقدير ورسوله أيضاً بريء والخبر عن الله دل على الخبر عن الرسول . والثاني : أنه عطف على المنوي في بريء فإن التقدير بريء هو ورسوله من المشركين . الثالث : أن قوله : { أَنَّ ٱللَّهَ } رفع بالابتداء وقوله : { بَرِىء } خبره وقوله : { وَرَسُولُهُ } عطف على المبتدأ الأول . قال صاحب « الكشاف » : وقد قرىء بالنصب عطفاً على اسم أن لأن الواو بمعنى مع ، أي برىء مع رسوله منهم ، وقرىء بالجر على الجوار وقيل على القسم والتقدير أن الله بريء من المشركين وحق رسوله . ثم قال تعالى : { فَإِن تُبْتُمْ } أي عن الشرك { فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } وذلك ترغيب من الله في التوبة والإقلاع عن الشرك الموجب لكون الله ورسوله موصوفين بالبراءة منه { وَإِن تَوَلَّيْتُمْ } أي أعرضتم عن التوبة عن الشرك { فَٱعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِى ٱللَّهِ } وذلك وعيد عظيم ، لأن هذا الكلام يدل على كونه تعالى قادراً على إنزال أشد العذاب بهم . ثم قال : { وَبَشّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } في الآخرة لكي لا يظن أن عذاب الدنيا لما فات وزال ، فقد تخلص عن العذاب ، بل العذاب الشديد معد له يوم القيامة ولفظ البشارة ورد ههنا على سبيل استهزاء كما يقال : تحيتهم الضرب وإكرامهم الشتم .