Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 50-51)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أن هذا نوع آخر من كيد المنافقين ومن خبث بواطنهم ، والمعنى : إن تصبك في بعض الغزوات حسنة سواء كان ظفراً ، أو كان غنيمة ، أو كان انقياداً لبعض ملوك الأطراف ، يسؤهم ذلك ، وإن تصبك مصيبة من نكبة وشدة ومصيبة ومكروه يفرحوا به ، ويقولوا قد أخذنا أمرنا الذي نحن مشهورون به ، وهو الحذر والتيقظ والعمل بالحزم ، من قبل أي قبل ما وقع وتولوا عن مقام التحدث بذلك ، والاجتماع له إلى أهاليهم ، وهم فرحون مسرورون ، ونقل عن ابن عباس أن الحسنة في يوم بدر ، والمصيبة في يوم أحد ، فإن ثبت بخبر أن هذا هو المراد وجب المصير إليه ، وإلا فالواجب حمله على كل حسنة ، وعلى كل مصيبة ، إذ المعلوم من حال المنافقين أنهم في كل حسنة وعند كل مصيبة بالوصف الذي ذكره الله ههنا . ثم قال تعالى : { قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا } وفيه أقوال : القول الأول : أن المعنى أنه لن يصيبنا خير ولا شر ، ولا خوف ولا رجاء ، ولا شدة ولا رخاء ، إلا وهو مقدرعلينا مكتوب عند الله ، وكونه مكتوباً عند الله يدل على كونه معلوماً عند الله مقضياً به عند الله ، فإن ما سواه ممكن ، والممكن لا يترجح إلا بترجيح الواجب ، والممكنات بأسرها منتهية إلى قضائه وقدره . واعلم أن أصحابنا يتمسكون بهذه الآية في أن قضاء الله شامل لكل المحدثات وأن تغير الشيء عما قضى الله به محال ، وتقرير هذا الكلام من وجوه : أحدها : أن الموجود إما واجب وإما ممكن ، والممكن يمتنع أن يترجح أحد طرفيه على الآخر لنفسه ، فوجب انتهاؤه إلى ترجيح الواجب لذاته ، وما سواه فواجب بإيجاده وتأثيره وتكوينه . ولهذا المعنى قال النبي عليه السلام : " " جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة " " وثانيها : أن الله تعالى لما كتب جميع الأحوال في اللوح المحفوظ فقد علمها وحكم بها ، فلو وقع الأمر بخلافها لزم انقلاب العلم جهلاً والحكم الصدق كذباً ، وكل ذلك محال ، وقد أطنبنا في شرح هذه المناظرة في تفسير قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاء عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ البقرة : 6 ] . فإن قيل : إنه تعالى إنما ذكر هذا الكلام تسلية للرسول في فرحهم بحزنه ومكارهه فأي تعلق لهذا المذهب بذلك ؟ قلنا : السبب فيه قوله صلى الله عليه وسلم : " " من علم سر الله في القدر هانت عليه المصائب " " فإنه إذا علم الإنسان أن الذي وقع امتنع أن لا يقع ، زالت المنازعة عن النفس وحصل الرضا به . القول الثاني : في تفسير هذه الآية أن يكون المعنى { لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا } أي في عاقبة أمرنا من الظفر بالعدو والاستيلاء عليهم ، والمقصود أن يظهر للمنافقين أن أحوال الرسول والمسلمين وإن كانت مختلفة في السرور والغم ، إلا أن في العاقبة الدولة لهم والفتح والنصر والظفر من جانبهم ، فيكون ذلك اغتياظاً للمنافقين ورداً عليهم في ذلك الفرح . والقول الثالث : قال الزجاج : المعنى إذا صرنا مغلوبين صرنا مستحقين للأجر العظيم ، والثواب الكثير ، وإن صرنا غالبين ، صرنا مستحقين للثواب في الآخرة ، وفزنا بالمال الكثير والثناء الجميل في الدنيا ، وإذا كان الأمر كذلك ، صارت تلك المصائب والمحزنات في جنب هذا الفوز بهذه الدرجات العالية متحملة ، وهذه الأقوال وإن كانت حسنة ، إلا أن الحق الصحيح هو الأول . ثم قال تعالى : { هُوَ مَوْلَـٰنَا } والمراد به ما يقوله أصحابنا أنه سبحانه يحسن منه التصرف في العالم كيف شاء ، وأراد لأجل أنه مالك لهم وخالق لهم ، ولأنه لا اعتراض عليه في شيء من أفعاله ، فهذا الكلام ينطبق على ما تقدم ، ولذا قلنا إنه تعالى وإن أوصل إلى بعض عبيده أنواعاً من المصائب فإنه يجب الرضا بها لأنه تعالى مولاهم وهم عبيده ، فحسن منه تعالى تلك التصرفات ، بمجرد كونه مولى لهم ، ولا اعتراض لأحد عليه في شيء من أفعاله . ثم قال تعالى : { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } معناه أنه وإن لم يجب عليه لأحد من العبيد شيء من الأشياء ولا أمر من الأمور إلا أنه مع هذا عظيم الرحمة كثير الفضل والإحسان ، فوجب أن لا يتوكل المؤمن في الأصل إلا عليه ، وأن يقطع طمعه إلا من فضله ورحمته ، لأن قوله : { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } يفيد الحصر ، وهذا كالتنبيه على أن حال المنافقين بالضد من ذلك وأنهم لا يتوكلون إلا على الأسباب الدنيوية واللذات العاجلة الفانية .