Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 56-57)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنه تعالى لما بين كونهم مستجمعين لكل مضار الآخرة والدنيا ، خائبين عن جميع منافع الآخرة والدنيا ، عاد إلى ذكر قبائحهم وفضائحهم ، وبين إقدامهم على الأيمان الكاذبة فقال : { وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ } أي المنافقون للمؤمنين إذا جالسوهم { إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ } أي على دينكم . ثم قال تعالى : { وَمَا هُم مّنكُمْ } أي ليسوا على دينكم { وَلَـٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ } القتل ، فأظهروا الإيمان وأسروا النفاق ، وهو كقوله تعالى : { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قَالُوا ءامَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَـٰطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مستهزؤون } [ البقرة : 14 ] والفرق الخوف ، ومنه يقال : رجل فروق . وهو الشديد الخوف ، ومنها : أنهم لو وجدوا مفراً يتحصنون فيه آمنين على أنفسهم منكم لفروا إليه ولفارقوكم ، فلا تظنوا أن موافقتهم إياكم في الدار والمسكن عن القلب ، فقوله : { لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً } الملجأ : المكان الذي يتحصن فيه ، ومثله اللجأ مقصوراً مهموزاً ، وأصله من لجأ إلى كذا يلجأ لجأ بفتح اللام وسكون الجيم ، ومثله التجأ والجأته إلى كذا ، أي جعلته مضطراً إليه ، وقوله : { أَوْ مَغَـٰرَاتٍ } هي جمع مغارة ، وهي الموضع الذي يغور الإنسان فيه ، أي يستتر . قال أبو عبيد : كل شيء جزت فيه فغبت فهو مغارة لك ، ومنه غار الماء في الأرض وغارت العين . وقوله : { مُدْخَلاً } قال الزجاج : أصله مدتخل والتاء بعد الدال تبدل دالاً ، لأن التاء مهموسة ، والدال مهجورة ، وهما من مخرج واحد وهو مفتعل من الدخول ، كالمتلج من الولوج . ومعناه : المسلك الذي يستتر بالدخول فيه . قال الكلبي وابن زيد : نفقا كنفق اليربوع . والمعنى : أنهم لو جدوا مكاناً على أحد هذه الوجوه الثلاثة ، مع أنها شر الأمكنة { لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ } أي رجعوا إليه . يقال : ولى بنفسه إذا انصرف وولى غيره إذا صرفه وقوله : { وَهُمْ يَجْمَحُونَ } أي يسرعون إسراعاً لا يرد وجوههم شيء ، ومن هذا يقال : جمح الفرس وهو فرس جموح ، وهو الذي إذا حمل لم يرده اللجام ، والمراد من الآية أنهم من شدة تأذيهم من الرسول ومن المسلمين صاروا بهذه الحالة . واعلم أنه تعالى ذكر ثلاثة أشياء وهي : الملجأ ، والمغارات ، والمدخل ، والأقرب أن يحمل كل واحد منها على غير ما يحمل الآخر عليه ، فالملجأ يحتمل الحصون ، والمغارات الكهوف في الجبال ، والمدخل السرب تحت الأرض نحو الآبار . قال صاحب « الكشاف » : قرىء { مُّدْخَلاً } من دخل و { مُّدْخَلاً } من أدخل وهو مكان يدخلون فيه أنفسهم ، وقرأ أبي بن كعب { متدخلاً } وقرأ { لَوْ ألو إِلَيْهِ } أي لالتجاؤا ، وقرأ أنس { يجمزون } فسئل عنه فقال : يجمحون ويجمزون ويشتدون واحد .