Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 68-69)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أنه تعالى لما بين من قبل في المنافقين والمنافقات أنه نسبهم ، أي جازاهم على تركهم التمسك بطاعة الله أكد هذا الوعيد وضم المنافقين إلى الكفار فيه ، فقال : { وَعَدَ اللهُ الْمُنَـٰفِقِينَ وَٱلْمُنَـٰفِقَاتِ وَٱلْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِينَ فِيهَا } ولا شك أن النار المخلدة من أعظم العقوبات . ثم قال : { هِىَ حَسْبُهُمْ } والمعنى : أن تلك العقوبة كافية لهم ولا شيء أبلغ منها ، ولا يمكن الزيادة عليها . ثم قال : { وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُ } أي ألحق بتلك العقوبة الشديدة الإهانة والذم واللعن . ثم قال : { وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } ولقائل أن يقول : معنى كون العذاب مقيماً وكونه خالداً واحد ، فكان هذا تكراراً ؟ والجواب : ليس ذلك تكريراً ، وبيان الفرق من وجوه : الأول : أن لهم نوعاً آخر من العذاب المقيم الدائم سوى العذاب بالنار والخلود المذكور أولاً ، ولا يدل على أن العذاب بالنار دائم . وقوله : { وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } يدل على أن لهم مع ذلك نوعاً آخر من العذاب . ولقائل أن يقول : هذا التأويل مشكل لأنه قال في النار المخلدة : { هِىَ حَسْبُهُمْ } وكونها حسباً بمنع من ضم شيء آخر إليه . وجوابه : أنها حسبهم في الإيلام والإيجاع ، ومع ذلك فيضم إليه نوع آخر زيادة في تعذيبهم . والثاني : أن المراد بقوله : { وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } العذاب العاجل الذي لا ينفكون عنه ، وهو ما يقاسونه من تعب النفاق والخوف من اطلاع الرسول على بواطنهم ، وما يحذرونه أبداً من أنواع الفضائح . ثم قال : { كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } واعلم أن هذا رجوع من الغيبة إلى الخطاب ، وهذا الكاف للتشبيه ، وهو يحتمل وجوهاً : الأول : قال الفراء : فعلتم كأفعال الذين من قبلكم ، والمعنى : أنه تعالى شبه المنافقين بالكفار الذين كانوا قبلهم في الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف ، وقبض الأيدي عن الخيرات ، ثم إنه تعالى وصف أولئك الكفار بأنهم كانوا أشد قوة من هؤلاء المنافقين وأكثر أموالاً وأولاداً ، ثم استمتعوا مدة بالدنيا ثم هلكوا وبادوا وانقلبوا إلى العقاب الدائم ، فأنتم مع ضعفكم وقلة خيرات الدنيا عندكم أولى أن تكونوا كذلك . والوجه الثاني : أنه تعالى شبه المنافقين في عدولهم عن طاعة الله تعالى ، لأجل طلب لذات الدنيا بمن قبلهم من الكفار ، ثم وصفهم تعالى بكثرة الأموال والأولاد وبأنهم استمتعوا بخلاقهم ، والخلاق النصيب ، وهو ما خلق للإنسان ، أي قدر له من خير ، كما قيل له : قسم لأنها قسم ونصيب ، لأنه نصب أي ثبت ، فذكر تعالى أنهم استمتعوا بخلاقهم فأنتم أيها المنافقون استمتعم بخلاقكم كما استمتع أولئك بخلاقهم . فإن قيل : ما الفائدة في ذكر الاستمتاع بالخلاق في حق الأولين مرة ثم ذكره في حق المنافقين ثانياً ثم ذكره في حق الأولين ثالثاً . قلنا : الفائدة فيه أنه تعالى ذم الأولين بالاستمتاع بما أوتوا من حظوظ الدنيا وحرمانهم عن سعادة الآخرة بسبب استغراقهم في تلك الحظوظ العاجلة ، فلما قرر تعالى هذا الذم عاد فشبه حال هؤلاء المنافقين بحالهم ، فيكون ذلك نهاية في المبالغة ، ومثاله : أن من أراد أن ينبه بعض الظلمة على قبح ظلمه يقول له : أنت مثل فرعون ، كان يقتل بغير جرم ويعذب من غير موجب ، وأنت تفعل مثل ما فعله ، وبالجملة فالتكرير ههنا للتأكيد ، ولما بين تعالى مشابهة هؤلاء المنافقين لأولئك المتقدمين في طلب الدنيا ، وفي الإعراض عن طلب الآخرة ، بين حصول المشابهة بين الفريقين في تكذيب الأنبياء وفي المكر والخديعة والغدر بهم . فقال : { وَخُضْتُمْ كَٱلَّذِي خَاضُواْ } قال الفراء : يريد كخوضهم الذي خاضوا ، فــــ { ٱلَّذِى } صفة مصدر محذوف دل عليه الفعل . ثم قال تعالى : { أُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ فِي ٱلدنْيَا وَٱلأَخِرَةِ } أي بطلت حسناتهم في الدنيا بسبب الموت والفقر والانتقال من العز إلى الذل ومن القوة إلى الضعف ، وفي الآخرة بسبب أنهم لا يثابون بل يعاقبون أشد العقاب { وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ } حيث أتعبوا أنفسهم في الرد على الأنبياء والرسل ، فما وجدوا منه إلا فوات الخيرات في الدنيا والآخرة ، وإلا حصول العقاب في الدنيا والآخرة ، والمقصود أنه تعالى لما شبه حال هؤلاء المنافقين بأولئك الكفار بين أن أولئك الكفار لم يحصل لهم إلا حبوط الأعمال وإلا الخزي والخسار ، مع أنهم كانوا أقوى من هؤلاء المنافقين وأكثر أموالاً وأولاداً منهم ، فهؤلاء المنافقون المشاركون لهم في هذه الأعمال القبيحة أولى أن يكونوا واقعين في عذاب الدنيا والآخرة ، محرومين من خيرات الدنيا والآخرة .