Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 71-71)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنه تعالى لما بالغ في وصف المنافقين بالأعمال الفاسدة والأفعال الخبيثة ، ثم ذكر عقيبه أنواع الوعيد في حقهم في الدنيا والآخرة ، ذكر بعده في هذه الآية كون المؤمنين موصوفين بصفات الخير وأعمال البر ، على ضد صفات المنافقين ، ثم ذكر بعده في هذه الآية أنواع ما أعد الله لهم من الثواب الدائم والنعيم المقيم ، فأما صفات المؤمنين فهي قوله : { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } . فإن قيل : ما الفائدة في أنه تعالى قال في صفة المنافقين و { ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلْمُنَـٰفِقَاتُ بَعْضُهُمْ مّن بَعْضٍ } وههنا قال في صفحة المؤمنين : { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } فلم ذكر في المنافقين لفظ { مِنْ } وفي المؤمنين لفظ { أَوْلِيَاء } . قلنا : قوله في صفة المنافقين { بَعْضُهُمْ مّن بَعْضٍ } يدل على أن نفاق الأتباع ، كالأمر المتفرع على نفاق الأسلاف ، والأمر في نفسه كذلك ، لأن نفاق الأتباع وكفرهم حصل بسبب التقليد لأولئك الأكابر ، وبسبب مقتضى الهوى والطبيعة والعادة ، أما الموافقة الحاصلة بين المؤمنين فإنما حصلت لا بسبب الميل والعادة ، بل بسبب المشاركة في الاستدلال والتوفيق والهداية ، فلهذا السبب قال تعالى في المنافقين : { بَعْضُهُمْ مّن بَعْضٍ } وقال في المؤمنين : { بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } . واعلم أن الولاية ضد العداوة ، وقد ذكرنا فيما تقدم أن الأصل في لفظ الولاية القرب ، ويتأكد ذلك بأن ضد الولاية هو العداوة ، ولفظة العداوة مأخوذة من عدا الشيء إذا جاوز عنه . واعلم أنه تعالى لما وصف المؤمنين بكون بعضهم أولياء بعض ، ذكر بعده ما يجري مجرى التفسير والشرح له فقال : { يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وويؤتون الزَّكاةَ ويُطِيعُونَ اللهَ ورسولهُ } فذكر هذه الأمور الخمسة التي بها يتميز المؤمن من المنافق ، فالمنافق على ما وصفه الله تعالى في الآية المتقدمة يأمر بالمنكر ، وينهى عن المعروف ، والمؤمن بالضد منه . والمنافق لا يقوم إلى الصلاة إلا مع نوع من الكسل والمؤمن بالضد منه . والمنافق يبخل بالزكاة وسائر الواجبات كما قال : { وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ } والمؤمنون يؤتون الزكاة ، والمنافق إذا أمره الله ورسوله بالمسارعة إلى الجهاد فإنه يتخلف بنفسه ويثبط غيره كما وصفه الله بذلك ، والمؤمنون بالضد منهم . وهو المراد في هذه الآية بقوله : { وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } ثم لما ذكر صفات المؤمنين بين أنه كما وعد المنافقين نار جهنم فقد وعد المؤمنين الرحمة المستقبلة وهي ثواب الآخرة ، فلذلك قال : { أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ } وذكر حرف السين في قوله : { سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ } للتوكيد والمبالغة كما تؤكد الوعيد في قولك سأنتقم منك يوماً ، يعني أنك لا تفوتني وإن تباطأ ذلك ، ونظيره { سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً } [ مريم : 96 ] { لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } [ الضحى : 5 ] { سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ } [ النساء : 152 ] . ثم قال : { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } وذلك يوجب المبالغة في الترغيب والترهيب لأن العزيز هو من لا يمنع من مراده في عباده من رحمة أو عقوبة ، والحكيم هو المدبر أمر عباده على ما يقتضيه العدل والصواب .