Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 74-74)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن هذه الآية تدل على أن أقواماً من المنافقين ، قالوا كلمات فاسدة ، ثم لما قيل لهم إنكم ذكرتم هذه الكلمات خافوا ، وحلفوا أنهم ما قالوا ، والمفسرون ذكروا في أسباب النزول وجوهاً : الأول : روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام في غزوة تبوك شهرين ينزل عليه القرآن ، ويعيب المنافقين المتخلفين . فقال الجلاس بن سويد : والله لئن كان ما يقوله محمد في إخواننا الذين خلفناهم في المدينة حقاً مع أنهم أشرافنا ، فنحن شر من الحمير ، فقال عامر بن قيس الأنصاري للجلاس : أجل والله إن محمداً صادق ، وأنت شر من الحمار . وبلغ ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستحضر الجلاس ، فحلف بالله أنه ما قال ، فرفع عامر يده وقال : اللهم أنزل على عبدك ونبيك تصديق الصادق وتكذيب الكاذب ، فنزلت هذه الآية . فقال الجلاس : لقد ذكر الله التوبة في هذه الآية ، ولقد قلت هذا الكلام وصدق عامر ، فتاب الجلاس ، وحسنت توبته . الثاني : روي أنها نزلت في عبد الله بن أبي لما قال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، وأراد به الرسول صلى الله عليه وسلم . فسمع زيد بن أرقم ذلك وبلغه إلى الرسول ، فهم عمر بقتل عبد الله بن أبي ، فجاء عبد الله وحلف أنه لم يقل ، فنزلت هذه الآية . الثالث : روى قتادة أن رجلين اقتتلا أحدهما من جهينة والآخر من غفار ، فظهر الغفاري على الجهيني ، فنادى عبد الله بن أبي : يا بني الأوس انصروا أخاكم ، والله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قيل : سمن كلبك يأكلك . فذكروه للرسول عليه السلام ، فأنكر عبد الله ، وجعل يحلف . قال القاضي : يبعد أن يكون المراد من الآية هذه الوقائع وذلك لأن قوله : { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ } إلى آخر الآية كلها صيغ الجموع ، وحمل صيغة الجمع على الواحد ، خلاف الأصل . فإن قيل : لعل ذلك الواحد . قال في محفل ورضي به الباقون . قلنا : هذا أيضاً خلاف الظاهر لأن إسناد القول إلى من سمعه ورضي به خلاف الأصل ، ثم قال : بلى الأولى أن تحمل هذه الآية على ما روي : أن المنافقين هموا بقتله عند رجوعه من تبوك وهم خمسة عشر تعاهدوا أن يدفعوه عن راحلته إلى الوادي إذا تسنم العقبة بالليل ، وكان عمار بن ياسر آخذاً بالخطام على راحلته وحذيفة خلفها يسوقها ، فسمع حذيفة وقع أخفاف الإبل وقعقعة السلاح ، فالتفت ، فإذا قوم متلثمون . فقال : إليكم إليكم يا أعداء الله ، فهربوا . والظاهر أنهم لما اجتمعوا لذلك الغرض ، فقد طعنوا في نبوته ونسبوه إلى الكذب والتصنع في ادعاء الرسالة ، وذلك هو قول كلمة الكفر وهذا القول اختيار الزجاج . فأما قوله : { وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلَـٰمِهِمْ } فلقائل أن يقول : إنهم أسلموا ، فكيف يليق بهم هذا الكلام ؟ والجواب من وجهين : الأول : المراد من الإسلام السلم الذي هو نقيض الحرب ، لأنهم لما نافقوا ، فقد أظهروا الإسلام ، وجنحوا إليه ، فإذا جاهروا بالحرب ، وجب حربهم . والثاني : أنهم أظهروا الكفر بعد أن أظهروا الإسلام . وأما قوله : { وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ } المراد إطباقهم على الفتك بالرسول ، والله تعالى أخبر الرسول عليه السلام بذلك حتى احترز عنهم ، ولم يصلوا إلى مقصودهم . وأما قوله : { وَمَا نَقَمُواْ إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ } ففيه بحثان : البحث الأول : أن في هذا الفضل وجهين : الأول : أن هؤلاء المنافقين كانوا قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة في ضنك من العيش ، لا يركبون الخيل ولا يحوزون الغنيمة ، وبعد قدومه أخذوا الغنائم وفازوا بالأموال ووجدوا الدولة ، وذلك يوجب عليهم أن يكونوا محبين له مجتهدين في بذل النفس والمال لأجله . والثاني : روي أنه قتل للجلاس مولى ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بديته اثني عشر ألفاً فاستغنى . البحث الثاني : أن قوله : { وَمَا نَقَمُواْ إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } تنبيه على أنه ليس هناك شيء ينقمون منه ، وهذا كقول الشاعر : @ ما نقموا من بني أمية إلا أنهم يحلمون إن غضبوا @@ وكقول النابغة : @ ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب @@ أي ليس فيهم عيب ، ثم قال تعالى : { فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ } والمراد استعطاف قلوبهم بعد ما صدرت الجناية العظيمة عنهم ، وليس في الظاهر إلا أنهم إن تابوا فازوا بالخير ، فأما أنهم تابوا فليس في الآية ، وقد ذكرنا ما قالوه في توبة الجلاس . ثم قال : { وَإِن يَتَوَلَّوْا } أي عن التوبة { يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةِ } أما عذاب الآخرة ، فمعلوم . وأما العذاب في الدنيا ، فقيل : المراد به أنه لما ظهر كفرهم بين الناس صاروا مثل أهل الحرب ، فيحل قتالهم وقتلهم وسبي أولادهم وأزواجهم واغتنام أموالهم . وقيل بما ينالهم عند الموت ومعاينة ملائكة العذاب . وقيل : المراد عذاب القبر { وَمَا لَهُمْ فِى ٱلأَرْضِ مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ } يعني أن عذاب الله إذا حق لم ينفعه ولي ولا نصير .