Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 81-82)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أن هذا نوع آخر من قبائح أعمال المنافقين ، وهو فرحهم بالقعود وكراهتهم الجهاد قال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد المنافقين الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، والمخلف المتروك ممن مضى . فإن قيل : إنهم احتالوا حتى تخلفوا ، فكان الأولى أن يقال فرح المتخلفون . والجواب من وجوه : الأول : أن الرسول عليه السلام منع أقواماً من الخروج معه لعلمه بأنهم يفسدون ويشوشون ، فهؤلاء كانوا مخلفين لا متخلفين . والثاني : أن أولئك المتخلفين صاروا مخلفين في الآية التي تأتي بعد هذه الآية ، وهي قوله : { فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَٱسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِىَ أَبَدًا وَلَن تُقَـٰتِلُواْ مَعِىَ عَدُوّاً } [ التوبة : 83 ] فلما منعهم الله تعالى من الخروج معه صاروا بهذا السبب مخلفين . الثالث : أن من يتخلف عن الرسول عليه السلام بعد خروجه إلى الجهاد مع المؤمنين يوصف بأنه مخلف من حيث لم ينهض فبقي وأقام . وقوله : { بِمَقْعَدِهِمْ } قال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد المدينة ، فعلى هذا المقعد اسم للمكان . وقال مقاتل : { بِمَقْعَدِهِمْ } بقعودهم وعلى هذا ، هو اسم للمصدر . وقوله : { خِلَـٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ } فيه قولان : الأول : وهو قول قطرب والمؤرج والزجاج ، يعني مخالفة لرسول الله حين سار وأقاموا . قالوا : وهو منصوب لأنه مفعول له ، والمعنى بأن قعدوا لمخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم . والثاني : قال الأخفش : إن { خِلَـٰف } بمعنى خلف ، وأن يونس رواه عن عيسى بن عمر ومعناه بعد رسول الله ، ويقوي هذا الوجه قراءة من قرأ { خلف رَسُولِ ٱللَّهِ } وعلى هذا القول ، الخلاف اسم للجهة المعينة كالخلف ، والسبب فيه أن الإنسان متوجه إلى قدامه فجهة خلفه مخالفة لجهة قدامه في كونها جهة متوجهاً إليها ، وخلاف بمعنى خلف مستعمل أنشد أبو عبيدة للأحوص : @ عقب الربيع خلافهم فكأنما بسط الشواطب بينهن حصيرا @@ وقوله : { وَكَرِهُواْ أَن يُجَـٰهِدُواْ بِأَمْوٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } والمعنى أنهم فرحوا بسبب التخلف وكرهوا الذهاب إلى الغزو . واعلم أن الفرح بالإقامة على كراهة الذهاب إلا أنه تعالى أعاده للتأكيد ، وأيضاً لعل المراد أنه مال طبعه إلى الإقامة لأجل إلفه تلك البلدة واستئناسه بأهله وولده وكره الخروج إلى الغزو لأنه تعريض للمال والنفس للقتل والإهدار ، وأيضاً مما منعهم من ذلك الخروج شدة الحر في وقت خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو المراد من قوله : { وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِى ٱلْحَرّ } . فأجاب الله تعالى عن هذا السبب الأخير بقوله : { قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ } أي إن بعد هذه الدار داراً أخرى ، وإن بعد هذه الحياة حياة أخرى ، وأيضاً هذه مشقة منقضية ، وتلك مشقة باقية ، وروى صاحب « الكشاف » لبعضهم : @ مسرة أحقاب تلقيت بعدها مساءة يوم أنها شبه أنصاب فكيف بأن تلقى مسرة ساعة وراء تقضيها مساءة أحقاب @@ ثم قال تعالى : { فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا } وهذا وإن ورد بصيغة الأمر إلا أن معناه الإخبار بأنه ستحصل هذه الحالة ، والدليل عليه قوله بعد ذلك : { جَزآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } ومعنى الآية أنهم ، وإن فرحوا وضحكوا في كل عمرهم ، فهذا قليل لأن الدنيا بأسرها قليلة ، وأما حزنهم وبكاؤهم في الآخرة فكثير ، لأنه عقاب دائم لا ينقطع ، والمنقطع بالنسبة إلى الدائم قليل ، فلهذا المعنى قال : { فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا } قال الزجاج : قوله : { جَزَاء } مفعول له ، والمعنى وليبكوا لهذا الغرض . وقوله : { بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } أي في الدنيا من النفاق واستدلال المعتزلة بهذه الآية على كون العبد موجداً لأفعاله ، وعلى أنه تعالى لو أوصل الضرر إليهم ابتداء لا بواسطة كسبهم لكان ظالماً ، مشهور ، وقد تقدم الرد عليهم قبل ذلك مراراً تغني عن الإعادة .