Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 95-96)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أنه تعالى لما حكى عنهم في الآية الأولى أنهم يعتذرون ، ذكر في هذه الآية أنهم كانوا يؤكدون تلك الأعذار بالأيمان الكاذبة . أما قوله : { سَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ إِذَا ٱنْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ } فاعلم أن هذا الكلام يدل على أنهم حلفوا بالله ، ولم يدل على أنهم على أي شيء حلفوا ؟ فقيل : إنهم حلفوا على أنهم ما قدروا على الخروج ، وإنما حلفوا على ذلك لتعرضوا عنهم أي لتصفحوا عنهم ، ولتعرضوا عن ذمهم . ثم قال تعالى : { فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ } قال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد ترك الكلام والسلام . قال مقاتل : قال النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة : " " لا تجالسوهم ولا تكلموهم " " قال أهل المعاني : هؤلاء طلبوا إعراض الصفح ، فأعطوا إعراض المقت ، ثم ذكر العلة في وجوب الإعراض عنهم ، فقال : { إِنَّهُمْ رِجْسٌ } والمعنى : أن خبث باطنهم رجس روحاني ، فكما يجب الاحتراز عن الأرجاس الجسمانية ، فوجوب الاحتراز عن الأرجاس الروحانية أولى ، خوفاً من سريانها إلى الإنسان ، وحذراً من أن يميل طبع الإنسان إلى تلك الأعمال . ثم قال تعالى : { وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } ومعناه ظاهر ، ولما بين في الآية أنهم يحلفون بالله ليعرض المسلمون عن إيذائهم ، بين أيضاً أنهم يحلفون ليرضى المسلمون عنهم ، ثم إنه تعالى نهى المسلمين عن أن يرضوا عنهم ، فقال : { فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَرْضَىٰ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَـٰسِقِينَ } والمعنى : أنكم إن رضيتم عنهم مع أن الله لا يرضى عنهم ، كانت إرادتكم مخالفة لإرادة الله ، وأن ذلك لا يجوز . وأقول : إن هذه المعاني مذكورة في الآيات السالفة ، وقد أعادها الله ههنا مرة أخرى ، وأظن أن الأول خطاب مع المنافقين الذين كانوا في المدينة ، وهذا خطاب مع المنافقين من الأعراب وأصحاب البوادي ، ولما كانت طرق المنافقين متقاربة سواء كانوا من أهل الحضر أو من أهل البادية ، لا جرم كان الكلام معهم على مناهج متقاربة .