Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 94, Ayat: 2-3)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وفيه مسائل : المسألة الأولى : قال المبرد : هذا محمول على معنى ألم نشرح لا على لفظه ، لأنك لا تقول ألم وضعنا ولكن معنى ألم نشرح قد شرحنا ، فحمل الثاني على معنى الأول لا على ظاهر اللفظ ، لأنه لو كان معطوفاً على ظاهره لوجب أن يقال : ونضع عنك وزرك . المسألة الثانية : معنى الوزر ثقل الذنب ، وقد مر تفسيره عند قوله : { وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ } [ الأنعام : 31 ] وهو كقوله تعالى : { لّيَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [ الفتح : 2 ] . وأما قوله : { أَنقَضَ ظَهْرَكَ } فقال علماء اللغة : الأصل فيه أن الظهر إذا أثقل الحمل سمع له نقيض أي صوت خفي ، وهو صوت المحامل والرحال والأضلاع ، أو البعير إذا أثقله الحمل فهو مثل لما كان يثقل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوزاره . المسألة الرابعة : احتج بهذه الآية من أثبت المعصية للأنبياء عليهم السلام والجواب : عنه من وجهين الأول : أن الذين يجوزون الصغائر على الأنبياء عليهم السلام حملوا هذه الآية عليها ، لا يقال : إن قوله : { ٱلَّذِى أَنقَضَ ظَهْرَكَ } يدل على كونه عظيماً . فكيف يليق ذلك بالصغائر ، لأنا نقول : إنما وصف ذلك بإنقاض الظهر مع كونها مغفورة لشدة اغتمام النبي صلى الله عليه وسلم بوقوعه منه وتحسره مع ندمه عليه ، وأما إنما وصفه بذلك لأن تأثيره فيما يزول به من الثواب عظيم ، فيجوز لذلك ما ذكره الله تعالى . هذا تقرير الكلام على قول المعتزلة وفيه إشكال ، وهو أن العفو عن الصغيرة واجب على الله تعالى عند القاضي ، والله تعالى ذكر هذه الآية في معرض الامتنان ، ومن المعلوم أن الامتنان بفعل الواجب غير جائز الوجه الثاني : أن يحمل ذلك على غير الذنب ، وفيه وجوه أحدها : قال قتادة : كانت للنبي صلى الله عليه وسلم ذنوب سلفت منه في الجاهلية قبل النبوة ، وقد أثقلته فغفرها له وثانيها : أن المراد منه تخفيف أعباء النبوة التي تثقل الظهر من القيام بأمرها وحفظ موجباتها والمحافظة على حقوقها ، فسهل الله تعالى ذلك عليه ، وحط عنه ثقلها بأن يسرها عليه حتى تيسرت له وثالثها : الوزر ما كان يكرهه من تغييرهم لسنة الخليل . وكان لا يقدر على منعهم إلى أن قواه الله ، وقال له : { أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرٰهِيمَ } [ النحل : 123 ] . ورابعها : أنها ذنوب أمته صارت كالوزر عليه ، ماذا يصنع في حقهم إلى أن قال : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ } [ الأنفال : 33 ] فأمنه من العذاب في العاجل ، ووعد له الشفاعة في الآجل وخامسها : معناه عصمناك عن الوزر الذي ينقض ظهرك ، لو كان ذلك الذنب حاصلاً ، فسمى العصمة وضعاً مجازاً ، فمن ذلك ما روي أنه حضر وليمة فيها دف ومزامير قبل البعثة ليسمع ، فضرب الله على أذنه فلم يوقظه إلا حر الشمس من الغد وسادسها : الوزر ما أصابه من الهيبة والفزع في أول ملاقاة جبريل عليه السلام ، حين أخذته الرعدة ، وكاد يرمي نفسه من الجبل ، ثم تقوى حتى ألفه وصار بحالة كاد يرمي بنفسه من الجبل لشدة اشتياقه وسابعها : الوزر ما كان يلحقه من الأذى والشتم حتى كاد ينقض ظهره وتأخذه الرعدة ، ثم قواه الله تعالى حتى صار بحيث كانوا يدمون وجهه ، وهو يقول : " " اللهم اهد قومي " " وثامنها : لئن كان نزول السورة بعد موت أبي طالب وخديجة ، فلقد كان فراقهما عليه وزراً عظيماً ، فوضع عنه الوزر برفعه إلى السماء حتى لقيه كل ملك وحياة فارتفع له الذكر ، فلذلك قال : { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } وتاسعها : أن المراد من الوزر والثقل الحيرة التي كانت له قبل البعثة ، وذلك أنه بكمال عقله لما نظر إلى عظيم نعم الله تعالى عليه ، حيث أخرجه من العدم إلى الوجود وأعطاه الحياة والعقل وأنواع النعم ، ثقل عليه نعم الله وكاد ينقض ظهره من الحياء ، لأنه عليه السلام كان يرى أن نعم الله عليه لا تنقطع ، وما كان يعرف أنه كيف كان يطيع ربه ، فلما جاءته النبوة والتكليف وعرف أنه كيف ينبغي له أن يطيع ربه ، فحينئذ قل حياؤه وسهلت عليه تلك الأحوال ، فإن اللئيم لا يستحي من زيادة النعم بدون مقابلتها بالخدمة ، والإنسان الكريم النفس إذا كثر الإنعام عليه وهو لا يقابلها بنوع من أنواع الخدمة ، فإنه يثقل ذلك عليه جداً ، بحيث يميته الحياء ، فإذا كلفه المنعم بنوع خدمة سهل ذلك عليه وطاب قلبه .